أهميَّةُ التوكُّلِ على الله في مواجهةِ الأزماتِ والتحدّيات

السيد علي فضل الله

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، {مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}. صدق الله العظيم.

أهميّةُ التوكّلِ على الله

التوكّل على الله سبحانه والاعتماد عليه يشكِّل أساساً في بناء شخصيَّة المؤمن، ومظهراً من مظاهره، وعلامة من علاماته، وإلى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى ودعا: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، واعتبره طريقاً إلى بلوغ جنَّته، حين يقول عزَّ وجلَّ: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

وقد ورد في الحديث: “الإيمان له أركان أربعة: التوكّل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرّضا بقضاء الله، والتَّسليم لأمر الله عزَّ وجلَّ”، وهو يعود إلى إيمان المؤمن بأنَّ الله وحده خالق هذا الكون لا يشاركه فيه أحد {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وإليه يرجع الأمر كلّه.

وهذا ما حرص الله عزَّ وجلَّ على أن يبيِّنه ويوضحه لعباده في القرآن الكريم، عندما قال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}، وفي آية أخرى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وقال: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، وقال في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.

فالمؤمن لا يرى غير الله سنداً ومؤيِّداً وناصراً ورازقاً ومعيناً، وهو من يستعين به ليفرج همَّه وكربه، وليقضي حوائجه ويعينه على أمر دنياه وآخرته، فكلّ من عداه، مهما علا شأنهم وكبر موقعهم، أمرهم بيده، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلَّا به، وهو الذي تحدَّث عنه رسول الله (ص)، فيما قاله الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}.

وهذا ما عبَّر عنه الإمام زين العابدين (ع)، في دعائه عندما قال: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إِلَيْكَ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْكَ، وَصَرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إِلَى رِفْدِكَ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ، وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إِلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأْيِهِ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. فَأَنْتَ يَا مَوْلَايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤولٍ مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوبٍ إِلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي، أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي”.

لذا نجد الإمام الصَّادق (ع) يستنكر على رجل كان يقول: لولا فلان لهلكت، ولولا فلان لضاع عيالي، ودعاه أن يقول: لولا أن منَّ الله بفلان عليَّ لهلكت. فالله هو الَّذي يسَّر ودبّر.

وهذا لا يعني أن لا يستعين الإنسان، لتأمين حاجاته، ولتيسير أموره وتحقيق أهدافه، بأشخاص أو جهات، فهذا مما لا بدَّ أن يحصل، بل يعني أنه عندما يرجع إليهم، فبناءً على إرادة من الله عزَّ وجلَّ وبتوجيه منه، وعندما يتحقَّق له ما يريد، لا يرى أنَّ من استعان بهم هم من يسَّروا له أموره وحقَّقوا حاجاته، بل الله سبحانه وتعالى هو من حقَّق ذلك وأجراه على أيديهم، ومتى حصل ذلك، فإنَّه يجرد الإنسان من أيّ عبودية للأشخاص أو الانصياع إليهم.

حسنُ الظّنِّ بالله

وقد وعد الله سبحانه الَّذين يتوكَّلون عليه أنه عند حسن ظنّهم، وسيكون لهم مؤيِّداً وناصراً ومعيناً ورازقاً إن رأى منهم صدق التوكّل عليه: {مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}.

وفي الحديث: “مَن تَوَكَّلَ علَى اللَّهِ ذَلَّت لَهُ الصِّعابُ ، وتَسهَّلَت علَيهِ الأسبابُ”.

وفي الحديث: “من أحبَّ أن يكون أقوى النَّاس، فليتوكَّل على الله”.

وفي الحديث: “التوكّل على الله نجاة من كلِّ سوء، وحرز من كلّ عدوّ”.

وفي الحديث: “لو أنَّكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطَّيرَ؛ تغدوا خماصاً، وتروح بطاناً”.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ما أدَّى إليه التوكل عليه، الذي عبَّر عنه أصحاب رسول الله (ص): {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.

فيما حذَّرت الأحاديث الشريفة من التوكّل على غير الله، ففي الحديث: “لا تتَّكل إلى غير الله فيكلك إليه”.

التوكُّلُ المقرونُ بالعمل

والتَّوكُّل، أيُّها الأحبَّة، لا يعني كما يعتقد البعض ترك الأمر لله ووضع الأمر عنده، بل لا بدَّ للتوكّل أن يكون مقروناً بالعمل، وهذا ما عبَّر عنه رسول الله (ص) لأصحابه، حيث ورد في السِّيرة، أنَّ قوماً من أصحاب رسول الله (ص) لما نزلت الآية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبيّ (ص)، فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: يا رسول الله، تكفَّل الله لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة، فقال: إنَّه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطَّلب.

وقد قال لرجل سأله وكان معه ناقته، هل يربط النَّاقة بالحبل ثم يتوكَّل على الله، أم يتركها دون رباط ويتوكَّل على الله، فردَّ النبيّ (ص) عليه: “اِعقلها وتوكّل”.

ولذا يقال إنَّ المتوكلين هم الزارعون الذين لا يكتفون بأن يقولوا لله يا ربّ يسِّر لنا زرعنا، ويجلسون في بيوتهم وينتظرون أن يأتيهم نتاج زرعهم، بل من يحرثون الأرض ويبذرونها ويسقونها ويضعون كلّ الموادّ التي تكافح الأمراض والأوبئة، ثم يسقونها ويسهرون على رعايتها، بعدها يقولون: توكَّلنا على الله، ليتَّقوا بذلك أموراً كانت متوقَّعة أو تخطر على بالهم. فالتوكَّل هو أن تقوم بكلِّ شيء تستطيع القيام به، ثم تتوكَّل على الله، وإلى ذلك أشار الله عزَّ وجلَّ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.

تعزيزُ قيمةِ التوكُّل

أيُّها الأحبَّة: إنَّنا أحوج ما نكون إلى أن نعزِّز قيمة التوكل في حياتنا، أن يراها الله عزَّ وجلَّ تنبع من أعماق قلوبنا، ولا بدَّ أن نستحضرها كلَّما هممنا بأمر أو عمل أو أيّ خطوة نريد أن نخطوها، فلا تقف عند حدود ألسنتنا، عندها سوف نجد الله حاضراً معنا، ولن يكلنا لأنفسنا، ولن نرى الحياة عندها ضيِّقة محدودة بحدود قدراتنا وقدرات الآخرين، ولن نعيش القلق والتوتّر والخوف والإحباط واليأس…

والحديث عن التوكّل، أيُّها الأحبّة، ليس حديثاً معنوياً أو شعوراً بالقوَّة الموهومة، بل هو حقيقة ملموسة، هو وعد الله سبحانه وتعالى، نتلمَّس نتائجه في كلِّ ساحات الحياة، نراها في حياة السَّابقين وفي تاريخنا الحاضر، وسنراها في حياة اللاحقين، وقد قالها لقمان لابنه: “يا بنيّ، توكَّل على الله ثم سل في النَّاس، من ذا الذي توكَّل على الله فلم يكفه”.

أيُّها الأحبّة: إنَّ المرحلة الصعبة التي نعيشها، والأزمات التي تحدق بنا، لا ينبغي أن نسقط أمامها، مهما عصفت بنا الأزمات وكبرت التحدّيات وعظمت، نحن قادرون أن نواجهها بالعمل والقيام بمسؤوليَّتنا، وبالتوكّل عليه، وكلّنا ثقة بأنَّه لن يتركنا ولن يخذلنا ولن يدعنا نواجه التحدِّيات وحدنا.

“أَللَّهُمَّ مَنْ كانَ أَمْسى وَأَصْبَحَ، وَلَهُ ثِقَةٌ أَوْ رَجاءٌ غَيْرُكَ، فَأَنْتَ ثِقَتي وَسُؤْلي وَرَجائي.. فَاقْضِ لِي بِخَيْرِهَا عَاقِبَةً، وَنَجِّنِي مِنْ مَضَلَّاتِ الْفِتَنِ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين”…

بسم الله الرَّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله (ص) أحد أصحابه، عندما قال له: “اعبد الله كأنَّك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كلِّ حجر وكلِّ شجر، وإذا عملت سيّئة فاعمل بجانبها حسنة، السرّ بالسرّ، والعلانية بالعلانية”.

أيُّها الأحبّة: لنأخذ بوصيّة رسول الله (ص)، لنكون أكثر وعياً لمسؤوليَّتنا تجاه ربنا وتجاه أنفسنا وتجاه الناس، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات…

استئنافُ الحربِ على غزَّة!

والبداية من قطاع غزَّة، حيث لم تفلح كلّ الجهود التي بذلت من قبل الوسطاء المحليّين في إيقاف هذه الحرب المجنونة، والَّتي شهدنا، ومع الأسف لا نزال نشهد، مآسيها وكوارثها، والتي استهدفت وتستهدف الحجر والبشر وكلَّ مرافق الحياة، بعدما عاود العدوّ الصهيوني الاستمرار بحربه، سعياً منه لتحقيق أهدافه التي أعلنها في استعادة أسراه والقضاء على مقاومة الشَّعب الفلسطيني، وتلك التي لم يعلنها، وهي تهجير الشعب الفلسطيني في القطاع، بجعله غير قابل للحياة، وهو يستفيد في ذلك من ترسانته العسكريَّة ومن الدول الداعمة له، رغم بعض التحفّظات التي باتت تبديها، والَّتي نراها بمثابة التمنّيات، والتي لن يكون لها واقعية أو مصداقية على الأرض، وهو في ذلك لم يستوعب بعد دروس الماضي والحاضر وعبره، في أنَّ ما يهدف إليه العدوّ بعيد المنال، في ظلِّ الصّمود الَّذي أظهره الشعب الفلسطيني وصبره، واستعداده لبذل التضحيات الجسام في مواجهة غطرسة هذا الكيان، والَّذي منعه سابقاً من تحقيق أهدافه واستعادة هيبته التي فقدها بعدما أذلَّته المقاومة، ولا سيَّما في عمليَّة طوفان الأقصى.

إننا لا نهوِّن من قدرات هذا العدوّ ومن إمكاناته، ومن الضَّوء الغربي الأخضر الممنوح له، والتي قد تعطيه فرصة لأن يتقدَّم في ساحة المعركة، لكنَّنا على ثقة بأنَّه لن يستطيع كسر إرادة الشعب وتحقيق أهدافه، أياً تكن الجراح والآلام التي قد تصيبه، بل إنَّ ذلك يزيد من مآزقه ويعمّق تشويه صورته في العالم.

مسؤوليَّةُ أحرارِ العالَم

إنَّنا لا نأمل أخيراً من أن يرتدع العدوّ بنفسه عن مواصلة ارتكابه المجازر بعد سيل الإدانات الّتي وجِّهت إليه، لأنَّ مثل هذا النهج هو من طبيعته، وقد أدمن عليه انطلاقاً من إيمانه بأنَّ لغة العنف والقتل والمجازر هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه، لكنَّنا نتوجَّه اليوم إلى العالم الذي لا يزال يدعم هذا الكيان ويمدّه بكلّ وسائل القوَّة، لندعوه إلى أن يصغي ولو لمرَّة واحدة إلى معاناة هذا الشعب والإذلال الّذي يتعرَّض له، وإلى الأسباب التي دفعته إلى حمل السِّلاح ومواجهة هذا الكيان بالصّورة التي حصلت، فهو لم يقم بذلك رغبةً منه بالقتال، أو حباً بالقتل أو الأسر، بل بعدما سدَّت أمامه الأبواب التي طرقها لإعادة أسراه ورفع الحصار عنه، وما يتعرَّض له من قتل يوميّ وأسر.

إنَّ من المؤسف أن ينعت هذا الشَّعب بالإرهاب وبالداعشيَّة، وهو الذي شهد العالم كيف يتعامل مع أسراه حين قاسمهم الطّعام والشَّراب، وأشعرهم بالأمان والطمأنينة، رغم أنهم قد يكونون ممن قتلوا أهلهم وأقرباءهم، ودمَّروا بيوتهم، وعانوا في سجون كيانهم، هم لم يردّوا بالانتقام من كلِّ ذلك، بل تعاملوا مع الأسرى من خلال إنسانيَّتهم وإيمانهم الَّذي يدعوهم إلى أن لا يقتلوا أسيراً، وأن يحسنوا إساره، والذي تشير إليه الآية: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}، وأن لا ينسوا أخلاقهم حتى ما أعدائهم.

إننا أمام كلِّ ما يجري، نجدِّد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، وكلّ من يلتزم القيم الدينية والأخلاقية والحسّ الإنساني، إلى إعلاء صوتهم، واستخدام كلّ وسائل الضّغط على هذا الكيان والدّول الداعمة له، لمنعه من العودة إلى ارتكاب المجازر بحقّ هذا الشَّعب والتمادي في عدوانه، فأنتم قادرون على ذلك، وكما استطعتم من خلال حضوركم الفاعل أن تفرضوا على هذا الكيان أن يقبل بالهدنة، والتفاوض بعد الصّمود الهائل الَّذي واجهه العدوّ في الميدان، وتكبيده الخسائر الفادحة، فإنّكم قادرون على إيقاف نزيف الدَّم.

وهنا، لا بدَّ من أن نعرب عن تقديرنا لكلِّ الدول والشعوب التي أعلنت وقوفها مع هذا الشعب، وساندته وأيدته، إن بالكلمة أو بالموقف أو بالمال أو بالدبلوماسية أو بالإسناد العسكري، وباستخدام مختلف الضغوط لكي تفرض على العدوّ إيقاف حرب الإبادة.

ونحن كما نتطلَّع بعين المسؤوليَّة تجاه ما يجري في غزَّة، لا بدّ من أن نتطلَّع إلى ما يحصل في الضفة الغربيَّة، حيث يستمرّ العدوّ بممارساته الإجراميَّة من قتل واعتقال وتهديم للمباني والبنى التحتيَّة، والتي لم تتوقَّف، وقد شهدنا الصّورة المروعة باستهدافه الأطفال بدم بارد، وأمام الإعلام، لكن كلّ ذلك لن يثني هذا الشَّعب عن مواصلة المقاومة واستمرار عمليَّاته ضدّ هذا العدوّ. 

لبنان: خطرُ الشّغور

ونصل إلى لبنان الذي لا يزال يعاني الترهل في مؤسَّساته الدستورية والأمنية، بفعل استمرار الشغور على صعيد رئاسة الجمهوريَّة، والخوف من عدم الوصول إلى حلّ للفراغ الذي قد يحصل على صعيد قيادة الجيش، واستمرار تهديدات العدوّ للبنان.

إننا أمام ذلك، نعيد دعوة القوى السياسيَّة إلى تحمل مسؤوليتها، للإسراع بالتوافق على إيجاد صيغة توافق تضمن التوصّل إلى إيجاد حلّ لكلّ هذه الاستحقاقات، ولا سيما على صعيد قيادة الجيش، وعدم انتظار أن تأتي الحلول من الخارج، أو مما قد ينتج في الحرب الجارية في غزَّة، في الوقت الذي ندعو إلى موقف موحَّد في التعامل مع دعوة اللبنانيين إلى تنفيذ القرار 1701، بدعوة العالم الذي يطالب اللّبنانيّين بذلك، إلى أن ينظر إلى تنفيذ القرارات الدوليَّة بكلتا العينين، وليس بالعين الإسرائيليَّة وحدها، بحيث يتمّ التغاضي عن استعادة لبنان حقَّه في كلّ أراضيه، وعن تمادي العدوّ في انتهاكاته، وحيث تستمرّ خروقاته الجوية واختراقاته الدائمة عند الشّريط المحتلّ بجرَّافاته وآليَّاته، حتى من قبل ما يجري في غزَّة والضفَّة مؤخَّراً، وبالتالي، لا بدَّ للمسؤولين من تذكير الجميع بذلك، إضافةً إلى تحمّل كلّ الأطراف اللبنانيّين المسؤولية في الحفاظ على وحدة الموقف الداخلي في مواجهة العدوّ، وفي كلّ ما من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الوحدة الداخلية.

لتعزيزِ صمودِ أهلِ الجنوب

وأخيراً، نتوقف عند الوضع في الجنوب اللبناني، الَّذي شهد وقد يشهد استمرار معاناة أهالي الشَّريط الحدودي في أرواحهم وبيوتهم ومقدَّراتهم بفعل ما قام به العدوّ، وما نخشى أن يقوم به. ونحن هنا نشدّ على أيادي أهالينا، وننوه بصبرهم وثباتهم ومواقفهم العزيزة، وننوِّه بكلّ الجهود التي تبذل من أجل مساعدة الأهالي لتعزيز هذا الصّمود، سواء من قبل المقاومة أو الحكومة أو مبادرات الخيّرين في هذا المجال، في وقت نعرب عن أسفنا وألمنا من كلِّ الأصوات التي أرادت أن تعرقل عمليَّة إيصال المساعدات والعون إلى أهلنا الَّذين تعرَّضوا لأضرار جسيمة بفعل العدوان الصهيوني الأخير.

***