الأبعاد الإنسانية في شخصية الإمام الرضا (ع)

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} صدق الله العظيم
 

مرت علينا في السابع عشر من شهر صفر بذكرى وفاة واحد من أهل البيت(ع) الذي قرن رسول الله مودته بمودتهم وإتباعه بإتباعهم لكونهم يعبرون عنه والأمناء على رسالته وما جاء به عن الله وهو الإمام علي بن موسى الرضا(ع).
 
وعندما نستذكر الإمام في هذه المناسبة، فإننا نستحضر تميزه(ع) في العبادة والعلم والحلم والصبر والزهد والوفاء والطهارة.. وهذا ما نستوحيه من الألقاب التي نعت بها، فقد لقب بالوفي والصابر والرضا وهي تعني أنه حظي بمحبة واحترام لا الذين وافقوه والتزموا إمامته، بل حتى الذين خالفوه لسمو أخلاقه وعلمه وحكمه.
 
وإلى ذلك أشار رجاء بن الضحاك بعد أن بعثه المأمون لمصاحبة الإمام الرضا(ع) إلى خراسان لتوليته ولاية العهد، فقال: "والله ما رأيت رجلاً كان أتقى منه ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ ولا أحسن خلقاً منه.. وكان لا ينزل بلداً إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ليس عنده سؤال تافه أو آخر محرج.. ويضيف الضحاك: فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه، فأخبرته بما شاهدته منه في ليله ونهاره، وظعنه وإقامته، فقال لي: يا ابن الضحاك هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم..".
 
ونحن في هذا المجال لن يسعنا الوقت للحديث عن كل أبعاد سيرته، لكننا سنتوقف عند واحد من هذه الأبعاد الإنسانية في شخصية هذا الإمام مما نحتاج إلى أن نستلهمه في حياتنا.. بالإشارة بشكل موجز إلى عدة محطات وأحداث من سيرته.
وقد كان من سيرته ما أشار إليه أحد الذين صاحبوه في مسيرته من المدينة إلى خراسان لتولي ولاية العهد.. حين قال: دعا الإمام الرضا(ع) بمائدة، لكن الإمام رفض الجلوس على المائدة حتى يدعى إليها كل الذين يقومون بخدمته حتى البواب والسائس، فقال له حينها أحد أصحابه: لو عزلت لهؤلاء مائدة خاصة.. فموقعك كإمام وكونك ولياً للعهد لا يتناسب أن تجلس على نفس المائدة مع هؤلاء.. فلو وضعت لهؤلاء مكاناً آخر يجلسون فيه، فقال الإمام(ع): ولماذا أفرد لهم مائدة منفصلة ما دام الرب تبارك وتعالى واحد والأم واحدة، والأب واحد والجزاء بالأعمال.. فوالله ما نسخت الآية التي تقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}..
 
لقد أراد الإمام(ع) من خلال ذلك أن يركز القاعدة القرآنية في الأذهان وهي أن الموقع أي موقع، ليس سبباً للتفاضل بين الناس أو للترفع عليها، بل مسؤولية والحياة تبنى على تكامل الأدوار وإذا كان من تفاضل فهو بالتقوى، بمقدار أداء الإنسان لمسؤوليته وقربه من خالقه..
 
وعن اليسع بن حمزة: كنت في مجلس الإمام الرضا(ع) وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن أمور دينهم، إذ دخل عليه رجل وقال السلام عليك يا ابن رسول الله.. وبدون مقدمات قال له: أنا افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به بلدي.. وأنا قصدتك لثقتي أنك لا ترد سائلاً، فأنت من بيت نزلت فيهم الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}.. فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي.. فإذا بلغت بلدي رددت إليك المال.. وإن شئت تصدقت به عنك.. فقال له: اجلس حتى يتفرق الناس، ثم قام إلى حجرته وأتى بصرة فيها مبلغاً من المال أزيد مما يحتاجه الرجل وأعطاها له من وراء الباب، ثم قال له: استعن بها في مؤونتك ونفقتك، ولا تتصدق بها عني ولا تردها إلي، واخرج فلا أراك ولا تراني، ثم خرج..
 
هنا وكما تذكر السيرة استغرب أحد أصحاب الإمام(ع) الجالسين عنده أن يستر الإمام وجهه عن الرجل عندما أعطاه المال.. هذا قد يكون طبيعياً لو كان المال قليلاً استحياءً من هذا الرجل، ولكنه أعطاه كثيراً.. لذا قال له: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه، فقال(ع)..  "مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته".. لا أريد أن أراه ذليلاً لأني تصدقت عليه.. أما سمعت حديث رسول الله(ص): "المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة (مستحبة) والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له".. أي إنسانية هي أعظم من هذه الإنسانية.. 
 
وأين هذا من الكثيرين في مجتمعنا ممن يعطون ولكنهم إن أعطوا فهم لا يعطون إلا بمقابل وإن أعطوا بدون مقابل يمنون ويطلبون رد الجميل.. الإمام(ع) لم يكتف بأنه لا يريد كل ذلك بل أراد لسلوكه أن يؤكد على حفظ كرامة الإنسان وعدم إذلاله بسبب حاجة.
 
وقد ورد عنه(ع): أنه بذل كل ما عنده من مال يوم عرفة أي تصدق بكل ما له.. فقال له الفضل أحد أصحابه: لقد فقدت مالك ولم يبق عندك شيء.. قال لقد ربحت مالي، لقد أودعته عند من يحفظه لي يوم حاجتي بل هو المغنم، لا تعدن مغرما ما ابتغيت به أجراً وكرماً.
 
وهذا ما كان يقوله جده الإمام زين العابدين(ع) عندما كان يأتي إليه فقير كان يستبشر ويقول: "جاء من يحمل لي زادي إلى يوم القيامة".
 
أيها الأحبة؛ هذا بعض من فيض السمو الإنساني الذي تجلى عند الإمام الرضا(ع)، في البذل والعطاء ومن الحب للناس..
 
وهو في ذلك إنما كان ينطلق من روحية الإسلام النقية الصافية، فالإسلام يعلمك أن تكون كذلك، فلا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً، مؤمناً، ولا يكون إنساناً يتحسس إنسانيته في إنسانية الآخرين. بحيث يحرص عليهم، على مشاعرهم وإحاسيسهم أو يفكر بحاجاتهم أو يراعي ظروفهم، لا مكان في قاموس الإسلام للأنانيين.. فلا يكون مسلماً من لا يحب لأخيه  الإنسان ما يحب لنفسه أو من لا يهتم بأمور المسلمين أو عموم المظلومين والمحرومين والمستضعفين.. 
 
وهذا ما نجده في كلام الإمام الرضا(ع) عندما بادر أحد أصحابه بالسؤال، وهو علي بن شعيب.. فقال له: من أحسن الناس معاشاً؟ قال: يا سيدي أنت أعلم به مني.. فقال(ع): يا علي!.."من حَسُن معاش غيره في معاشه وأسوأ الناس معاشاً إنما هو من لم يعش معاش غيره في معاشه".. يا علي!.. "إنّ شر الناس من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده".
 
لقد أراد الإمام(ع) من خلال كل هذه المواقف الأخلاقية والروحية أن ينقلنا إلى هذا الفضاء الإنساني الرحب، الذي يجعلنا نرى فيه ساحة للعطاء، وبحيث يكون المؤمن كالشمس التي تشرق نوراً وكالمطر الذي يعطي الحياة للجميع وكالينابيع والجداول التي تبعث الحياة في ما حولها من دون أي تمييز بين الناس..
 
أيها الأحبة:
لقد تعودنا أن تكون كل القيمة في العلاقة بأهل البيت(ع) هو أن نزورهم وأن نقيم المآتم على اسمهم، أو الأفراح في موالدهم، هذا مهم ولكن لا يكفي.. فالعلاقة معهم لا تكتمل إلا عندما نكون أكثر إنسانية وأخلاقاً ومحبة للناس كما أن نكون الأكثر علماً وحلماً وعبادة وعملاً وجهاداً وتضحية..
 
وهذا ما نجده واضحاً في وصية الإمام الرضا لشيعته التي ذكرها لأحد تلامذته المخلصين، وهو السيد عبد العظيم الحسني والذي له مقام يزار في منطقة الري.. عندما قال له أن يوصي شيعته: "يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة، فإن ذلك قربة إليَّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً.. وعرّفهم أنَّ الله قد غفر لمحسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، إلاَّ من أشرك به أو آذى وليّاً من أوليائي أو أضمر له سوءاً، فإنَّ الله لا يغفر له حتى يرجع عنه ـ فإن رجع عنه وإلا نزع روح الإيمان من قلبه، وخرج من ولايتي ولم يكن له نصيبٌ في ولايتنا، وأعوذ بالله من ذلك".
 
أيها الأحبة، بالالتزام بهذه السيرة وبالأخذ بهذه الكلمات، بدعوة الناس إليها وتجسيدها في الحياة نحيي أمر هذا الإمام كما هو الإحياء الحقيقي، وهو الذي قال: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، وعندما سئل: وكيف نحيي أمركم؟ قال(ع): "أن تتعلموا علومنا وتعلموها للناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا".
 
وفي هذه الذكرى نحن نتوجه حيث هو إليه كما نتوجه بعد أيام إلى الإمام الحسين(ع) وأصحابه لنعاهدهم على أن نتعلم من سيرتهم وكلماتهم، أن نعيها، وأن نعيشها وأن نبلغها للناس حتى يعرفوا حقاً من هم أهل هذا البيت(ع)، وبذلك يستمر حضورهم في وجدان الناس وفي حياتهم، وهذا هو الوفاء الحقيقي.
 
السلام عليك يا أبا الحسن علي بن موسى الرضا يوم ولدت ويوم انتقلت إلى رحاب ربك ويوم تبعث حياً…
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم…
 
الخطبة الثانية
 
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الحسين(ع) عن رسول الله(ص)، عندما قال: "يا أيها الناس، إني سمعت رسول الله(ص) يقول: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وأنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر".
 

لقد أراد لنا رسول الله(ص) من خلال هذه الوصية أن نوسّع دائرة اهتماماتنا، وأن يكون الله حاضراً في وجداننا، فرسول الله لن يكتفي منا بما تعارفنا عليه من صلاة وصيام وحج وخمس وزكاة فحسب، بل يريدنا أن نكون حاضرين في كل قضايا العدل والحرية والحق، وفي مواجهة الظالم، أي ظالم، والفاسد، أي فاسد، وفي مواجهة الانحراف الفكري والإيمانيّ والأخلاقي، بأن لا نجلس جانباً على التلّ، وننظر إلى الصراع الجاري أمامنا، فإن فعلنا ذلك، فسنكون شركاء فيما آلت إليه الأمور، وسنتحمّل نتائج ذلك فيما بعد، فما أصعبها من مسؤولية! لكن بذلك وحده تُبنى الحياة وتنمو، وتصبح أكثر صفاءً وطهارةً وعدلاً، وبذلك نواجه التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث لا يزال اللبنانيون ينتظرون التشكيلة الحكومية التي ما زال أمامها بعض العقبات، وإن كانت غير أساسية، وهم يأملون من القوى السياسية أن تسارع إلى إزالة ما تبقى من هذه العقبات، والقيام بالدور المطلوب منها في هذه المرحلة، لتنطلق عجلة الحكم لمعالجة جادّة للقضايا الاجتماعية والحياتية الملحّة من ماءٍ وكهرباء، إضافةً إلى قانون انتخابيّ عصريّ يضمن صحّة التمثيل، ومعالجة الفساد المستشري الّذي بات يتهدد مفاصل الدولة، ويُخشى أن يقوض أركانها.

 

إنَّ اللبنانيين ينتظرون الكثير من هذا العهد، ومن حقّهم الحصول على حقوقهم، بناءً على الآمال التي طرحها الرئيس الجديد، والوعود التي قطعها، هم يريدون أن يروا حكومةً مختلفة عمّا سبق، تتغير فيها الوجوه، وتنطلق بآليات جديدة، ولكن ذلك لم يحصل، لأنَّ لبنان لم يتغير بعد ليصل إلى هذه الصورة، ونأمل أن يتغير، فهو لا يزال محكوماً بالحسابات والتوازنات الطائفية والمذهبية والسياسية، التي تجعل من التغيير أمراً صعباً، وقد لا يحصل في الوقت القريب.

 

في هذا الوقت، تعود إلى الواجهة السّجالات التي أخذت في الأيام الأخيرة بُعداً طائفياً وسياسياً بين المواقع الدينية والسياسية، مما نخشى أن يؤدي إلى تعكير استقرار البلد، أو التأثير سلباً في أجواء الارتياح التي كانت سائدة، أو تعقيد مسيرة الحكم.

 

ومن هنا، فإننا ندعو إلى إيقاف هذه السّجالات، رأفةً بهذا البلد وإنسانه، والتعالي عن الخوض فيها، في الوقت الذي نريد من الجميع، وخصوصاً المواقع الدينية، أن لا تنزلق إلى إطلاق مواقف تساهم في تعقيد الأمور، وقد ترفع نسبة الحساسيات الطائفية، وهي التي نريد لها أن يكون دورها جامعاً ومتوازناً، وأن تتوخى الدقّة في خطابها السياسيّ والدينيّ، بما يساهم في تعميق الاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنيّة.

 

إنّ المطلوب من كلّ المواقع السّياسيّة والدينيّة الارتفاع إلى مستوى المخاطر الّتي تهدّد هذا البلد في إنسانه وأمنه، بعد أن تعب اللبنانيون من السّجالات، ولا سيّما في المرحلة المقبلة، وبعد الانتخابات الأميركية، حيث لا يُعلم كيف سيكون مسار الرياح الدّوليّة والإقليميّة، ما يستدعي من كلّ الفرقاء السياسيين العمل لإيجاد أرض صلبة لمواجهة أي تغييرات قد تحصل.

ونبقى في لبنان، لنلفت إلى نقطتين:

 

الأولى: هي ارتفاع منسوب الجريمة، ولا سيما الجرائم العائلية، التي شهدناها في الأسابيع الماضية، مما ينذر بنتائج خطيرة، وهذا يستدعي المسارعة إلى دراسة أسبابها، واستنفار الجهود لمعالجتها بكل الوسائل.

 

الثانية: هي استسهال قطع الطّرقات تحت عناوين مختلفة، مما أدّى ويؤدي إلى حبس الناس في سياراتهم وتعطيل مصالحهم. ونحن في الوقت الّذي نقف مع أيّ مطالب محقّة للنقابات وغيرها، لكنّنا ندعو دائماً إلى أن تكون الخطوات المطلبيّة مدروسة، بما لا يسيء إلى الناس ومصالحهم، حيث لا بدّ من أن تكون أساليب التّعبير عن الاحتجاجات شرعيّة وحضاريّة.

 

وعلى المستوى اللبنانيّ أيضاً، نتوجّه بالتّهنئة إلى اللبنانيّين بيوم الاستقلال، حيث نستذكر الَّذين بذلوا التّضحيات، وقدّموا الأثمان من أجل استقلال لبنان وبقائه حراً عزيزاً، من الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة والمقاومة، ومن الشّعب اللبنانيّ الّذي عانى في هذا الطريق، ولا سيّما أولئك الذين يقفون الآن على الحدود الشرقية والغربية وفي الداخل، ويمنعون عن البلد كلّ من يريد العبث بأمنه واستقراره، فالاستقلال ليس تاريخاً نقف عنده، بل هو محطة نستمدّ منها معاني التضحية من أجل الوطن.

 

سوريا

وإلى سوريا، الّتي يستمرّ فيها نزيف الدّم والدمار، بفعل السّعي الدّوليّ والإقليميّ لتقاسم النفوذ على هذا البلد، وجعله ساحة للتجاذبات البعيدة عن مصالح هذا البلد، ما يستدعي من كل الحريصين عليه مدّ يد العون إليه، لاستعادة وحدته وقيامه بدوره الريادي.

 

العراق

وإلى العراق، حيث يستمرّ الشّعب العراقيّ بكل تنوعاته الدينية والقومية، وبجيشه وحشده وعشائره، في تقديم أغلى التضحيات، ودفع أثمانٍ عالية من أجل إزالة الكابوس الجاثم على صدر العراقيين، والذي يكتوون به جميعاً.

 

إنّ هذه الوحدة الّتي تعمّدت بالدّم، وتجاوزت الحساسيات المصطنعة بين مكوناتها، ستكون مفتاح الخلاص لهذا البلد والنّهوض به.

 

زيارة الأربعين

وأخيراً، نتوجّه في هذه الأيام إلى كربلاء، التي تهفو إليها أفئدة العراقيين والقادمين من كلِّ فجٍ عميق، رغم الأخطار المحدقة بهم، ليعبّروا عن حبّهم وعشقهم وولائهم للحسين(ع) وأصحابه وأهل بيته، ويجدّدوا عهدهم مع الحسين بأنّهم لن يخذلوه، وأنهم سيكونون حاضرين في كل ساحات الحق والعدل والحرية..

 

إنَّ هذه الجموع المحتشدة ليست، كما يصوّرها البعض، في مواجهة المذاهب الأخرى أو الأديان الأخرى، بل على العكس، هي عنوان للوحدة والانفتاح، ومدّ جسور التواصل مع الآخرين، في مواجهة دعاة الفتنة الذين يريدون شراً بالبلاد والعباد، فلا يمكن لمن يردّد شعار الحسين "أريد الإصلاح في أمّة جدي"، أن يكون داعية فتنة أو أن يعمل لها.

 

إنَّ هذه الأصوات الهادرة ستبقى واضحة في أهدافها، في مواجهة الاستكبار والظّلم والفساد والانحراف والطّغيان، أياً كان عنوانه أو موقعه وهويّته.

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :18صفر 1438هـ الموافق :18 تشرين الثاني 2016م
 

 

Leave A Reply