الامام الكاظم (ع) نموذج الصبر والثبات.

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. صدق الله العظيم.

نستعيد في الخامس والعشرين من شهر رجب الحرام ذكرى انتقال الإمام السابع من أئمة أهل البيت(ع) الإمام موسى بن جعفر الكاظم، هذه المناسبة الأليمة بطبيعتها وظروفها ولوقعها في قلوب الناس، قلوب ومشاعر المحبين والموالين للإمام في حياته، ولا تزال ذكراه حاضرة في وجدانهم. ويكفي للدلالة على ذلك مشهد الزائرين الذين توافدوا إلى مرقده الشريف من كل حدب وصوب لتجديد الولاء لهذا الامام والاقتداء به، فهو من كان أنموذجاً في العلم والعبادة والخلق والكرم والزهد والصبر، ومثالاً أعلى في الثبات والشجاعة. وإلى ذلك تتسع القابه:باب الحوائج إلى الله، الكاظم للغيظ، الصابر..

وقد عبر الإمام الصادق(ع) عن موقعه(ع) عندما قال فيه: "الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الأصدقاء".

وقد عانى الإمام في مرحلة إمامته التي امتدت لخمس وثلاثين سنة طغيان خمسة من ملوك بني العباس: العباس والمنصور والمهدي والهادي وكانت أشد معاناته خلال حكم هارون الرشيد الذي وصل إلى حد من العتو والغطرسة والجبروت أن يقول للغمامة:"اذهبي حيث شئت فإنه يأتيني خراجك". ويقول لولده المأمون : "لو نازعتني الملك لأخذت الذي في عيناك

 

كان العباسيون يتوجسون خيفة من أهل البيت(ع) الذين بلغ حضورهم في نفوس المسلمين رغم كونهم بعيدين عن موقع السلطة،مكانة دفعت أحدهم أن يقول لهارون الرشيد وكان يريد بذلك التحريض: "ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت موسى بن جعفر(ع)، وإن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب،" وهو يقصد الأموال الشرعية. فقد كانوا خلفاء العقول والقلوب، وإن كان غيرهم خلفاء السلطة.

 

والعبرة في نظرتنا إلى كل مواقف أهل البيت(ع) من حكام الظلم والجور، هي أنهم لم يهادنوا ظالماً ولا جائراً..هي أن الأئمة لو كانوا قد هادنوا أو حتى ميعوا مواقفهم من الزعامة المنحرفة، فراعنة الظلم والجور لولّوهم أبرز المناصب، ولنعموا وعاشوا في عز وترف وخدم وحشم ودنيا، إلا أنهم وعوا مسؤوليتهم تجاه الله وتجاه الأمة  في حاضرها ومستقبلها، كما يفعل دائماً الذين يسخِّرون الدين لتدعيم مصالحهم وأركان حكمهم وتسلطهم الآني والمرحلي، فالأئمة رغم كل التضييق والحصار الذي فرض عليهم لم يتركوا فرصة أو قناة تواصل إلا وعبروا من خلالها عن رفضهم وسخطهم تجاه معاناة الأمة، والإمام الكاظم ما هو إلا علم من أعلام هذه المدرسة فما كان ليسمح أن تُقلب الحقائق وتمرر بالدعاية وعبر الابواق لتصير من الثوابت،.كما يحصل عادة. أئمة أهل البيت لم يلتهوا بالامور الشخصية بل ظلت أعينهم على هز المشروعية التي يستند اليها كل من وصل الى حكم المسلمين في تلك الفترة، فهم وان لم يتمكنوا من ازاحة الظالمين الذين لم يحكموا بما أنزل الله  من الحكم الا انهم كانوا مصدر قلق، وقلق كبير نسبة لما يمثله أهل البيت من موقعية ومصداقية.

 

تذكر السيرة أن هارون الرشيد أتى يوماً إلى قبر رسول الله(ص) في المدينة زائراً وكان حوله الناس، وكان الإمام الكاظم حينها حاضراً، فلما انتهى هارون إلى قبر رسول الله(ص)توجه إلى الرسول قائلاً: "السلام عليك يا رسول الله يا ابن العم" وهو يريد كما كان دأب بني العباس البناء على القرابة من الرسول لإضفاء الشرعية الدينية على موقعه كحاكم وخاصة أمام العوام، إلا أن الإمام لم يدع له أن يخدع المسلمين، فتقدم إلى القبر ليؤكد أن منزلته من رسول الله فوق كل منزلة، قائلاً: "السلام عليك يا أبتِ"،هنا تغير وجه الرشيد ولكنه لم يستطع أن ينبس ببنت شفة.

 

ومن الطبيعي أن هارون الرشيد (وهو ما يحدث عادة في موضوع معارضة الحكم وانتقاده والوقوف في وجهه)  أن يحاول استمالة الامام بالمال والمغريات ولكن من الطبيعي أيضاً أن المكاسب الدنيوية لم تكن لتغيِّر في مبدئية وقيم الامام  ومواقفه من السلطة غير الشرعية. ويروى أن هارون الرشيد قال للإمام الكاظم(ع) يوماً: أريد أن أعيد إليك فدك، وهو يريد بذلك اظهار التعاطف مع أهل البيت فقال له الإمام(ع): (حسناً تعيد لنا فدك) لكن بحدودها، قال له وأي حدود وهي واضحة المعالم (قطعة أرض معروفة في المدينة)، قال له: الحد الأول هو عدن، والحد الثاني سمرقند، والحد الثالث أفريقيا، والحد الرابع سيف البحر مما يلي بحر الخزر وأرمينية، وهي امتداد حدود الدولة العباسية يومها، فقال له هارون الرشيد: ما تركت لنا شيئاً، قال: وهو ذلك.

 

لقد أراد الإمام الكاظم(ع) أن يبين  لهارون الذي جاء يرشيه أن فدك لم تكن أرضاً أو ملكا خاصاً سعت لاستعادتها الزهراء، وهي التي لم ترد الدنيا وكل ما فيها، لكنها أرادت بمطالبتها بفدك أن تشير إلى حق أهل البيت(ع) في خلافة المسلمين.

والامام لم يكتف بالمواجهة الكلامية وبإعلان موقفه السياسي الواضح والحازم ولكنه تعداه إعلاميا وفق المتاح، فكان من حديثه لأحد أصحابه ورواة حديثه صفوان الجمال (الذي كان يملك جمالاً وإبلاً، ولديه ما يمثل اليوم وكالة نقل عام: سيارات  أو باصات)، إذ قال لصفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، فقال له: جعلت فداك، أي شيء هو؟ قال(ع): إكراؤك جمالك من هذا الرجل (إكراؤك أي تأجيرك) لهارون الرشيد الابل والجمال لتكون في خدمته!. فقال له: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للّهو، ولكن لهذا الطريق يعني طريق مكّة. ثم أنا لا أتولّاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني" يومها وقف الامام بصلابة وقال له بما انك تقبض من مال هارون الرشيد  فهذا سبب لدخول النار.

 

ويروي صفوان: بعدها ذهبت فبعت جمالي على آخرها، فبلغ ذلك هارون فاستدعى صفوان وقال له: يا صفوان لقد بلغني أنك بعت جمالك، إني لأعلم السبب، إن من أشار إليك بهذا موسى بن جعفر.

لقد كان يدرك الامام انه من الصعب لمن يستفيد او لديه مصلحة مع الظالم ان يعارضه في ما بعد عملاً بالمبدأ القائل: (إطعم الفم تستح العين). بل على العكس هذا المستفيد سيتمنى استمرار ملكه حتى قضاء حوائجه أو مصالحه.

 

وأبعد من المعارضة الذاتية والإعلامية فقد ساند الإمام الكاظم أولئك الذين واجهوا طغيان وظلم الحكام العباسيين آنذاك، وهذا ما تجلى في موقفه من الثورة التي أعلنها  الحسين بن علي ابن أحد أحفاد الحسن المجتبى(ع)، وكانت نتيجة هذه الثورة التي بدأت في المدينة واتجهت منها إلى مكة، أن استشهد الحسين بن علي ومن كانوا معه على مشارف مكة في منطقة فخ، ولذلك سُمِّيَتُ المعركة باسمها.

 

ولما سمع الإمام الكاظم باستشهاده بكاه وابّنه قائلاً: "إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ما كان في أهل بيته مثله".

ولهذا كله شكل وجود الإمام تحدياً لطغيان هارون الرشيد، الذي شعر بأزمة وجوده بين الناس وهم يلتفون حوله، يستمدون منه الوعي والعزيمة والإرادة.

ولذلك قرر أن يبعده ويودعه في السجن ليوهن من عزيمته ويبعد جمهوره عنه ويعزله عن الاتصال بالمسلمين وهذا ما حصل، وقد سعى إلى أن يعطي لعمله هذا شرعية عندما ذهب هارون يومها  إلى مسجد النبي(ص) ليعلن وبين يدي الله ما يريد القيام به، وهذا ما يظهر صلافته ووقاحته على الله ونبيه واهل بيته .

 

ولكن الإمام الكاظم فضح هارون وأفشل له مخططه بأن حوّل السجن مدرسة ومكان عبادة ومنطلقاً للتغيير، رغم أوامر هارون بأن يضيق على الإمام في سجنه،. وكان في البصرة.

لكن رفق الإمام  وشخصيته أحدث في نفس سجانه (عيسى بن جعفر) تحوُّلاً، فلم يستطع أن يقابل حسن أخلاق الإمام معه وحسن عبادته إلا بالإصرار على عدم الإساءة إليه، بل والاهتمام به، حتى تحول السجن إلى روضة من الروحانيات والمناجاة دفعت الإمام لكي يتوجه إلى الله بالدعاء شاكراً حمده قائلاً: "اللّهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك وقد فعلت، فلك الحمد."

وتكرر هذا الأمر  عندما تم نقله الى  سجن بغداد عند الفضل بن الربيع، وعند الفضل بن يحيى مما جعل هارون الرشيد يرسله إلى سجن من أسوأ السجون وهو الذي يشرف عليه (السندي ابن شاهك)، وكان هذا الرجل من أشد الناس بغضاً لأهل البيت، فأساء إلى الإمام أشد الإساءات ثم نفذ قرار هارون الرشيد بالتخلص من الإمام فدسّ له السم في طعامه، وانتقل الامام إلى رحاب ربه شاهداً وشهيداً، وبقيت سيرته منهجاً في مواجهة أركان الظلم، ومشعلاً يُلهم كل المجاهدين والمؤمنين في جهادهم وتطلعاتهم نحو تحقيق الحرية والعدالة في أي زمان ومكان.

 

 

أيها الأحبة:

في ذكرى الإمام موسى الكاظم نتعلم هذه القيمة، قيمة الصبر والثبات، قيمة أن نحوِّل البلاء مهما كان كبيراً إلى فرصة ووسيلة لبلوغ أعلى المواقع، هذا ما بشر به الله الصابرين الثابتين بالصلوات عليهم منه ورحمة وأنهم هم المهتدون.

 

إننا بحاجة إلى استهداء هذه القيم حتى نواجه التحديات التي يُرسم لها أن تعصف بواقعنا وتسقط كل عناصر القوة فينا،

 نستلهم هذه الذكرى بأن لا نهن وأن لا نضعف وأن لا نسقط، بل نثبت ونبقى وسيكون المستقبل للصابرين الثابتين الأقوياء بإذن الله،.

فهذا الإمام الكاظم وهو في عليائه، مهبط قلوب الزائرين الذين يفدون إليه في كل يوم ومن كل حدب وصوب رغم الأخطار المحدقة بهم، وبالمقابل أين هارون وملك هارون، أين مجده، أين جبروته الذي لأجله باع آخرته، الامام كان ينظر لمستقبل الامة الذي لا حد له، أما هارون ومن مثله من فراعنة أمس واليوم فهم دائماً ينظرون للحظة الآنية والمرحلية الزائلة فأين هذا من ذاك؟

هي عبرة لكي نعتبر فاعتبروا يا أولي الأبصار..والحمدلله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره ومحبّته وذكره، والخوف من وعده ووعيده، فإنَّ التَّقوى هي خير الزاد، وخير ما تواصى به العباد مع ربّهم. وحتى نبلغ التَّقوى، لا بدّ من أن نستهدي في هذه الليلة التي ستفد علينا؛ ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، بذكرى عزيزة هي ذكرى الإسراء والمعراج؛ هذه الذكرى الَّتي شكّلت حدثاً استثنائياً لما تحمله من معانٍ ودلالاتٍ وعبر. وقد أنعم الله في هذه الليلة على نبيّه بالعديد من فيوضاته، حيث هيّأ له رحلةً سماويةً لم تقف حدودها عند الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فقد عرج به من هناك إلى السَّموات العلى، وأراه فيها من آياته الكبرى مشاهد ومواقع عظمة الله في الكون. وقد بلغ برحلته إلى أعلى مكان يمكن أن يصل إليه مخلوق، إلى سدرة المنتهى..

لقد أظهرت هذه الرحلة مدى الرعاية والتكريم الذي حظي به رسول الله(ص)، وأرادت أن تعزّز موقع المسجد الأقصى، ليبقى هذا المسجد حاضراً في ذاكرة المسلمين ووجدانهم، أن لا ينسوه، وأن يحفظوه ويمنعوا عنه أي أذى، ولا يدعوه لقمةً سائغة في يد أعدائهم..

 

في ذكرى الإسراء والمعراج، نتوجَّه بقلوبنا إلى الله لنشكره على ما أتحف به نبيّنا، ونسأله أن يعيننا على السعي لإعادة المسجد الأقصى إلى ربوع المسلمين، وأن نحظى بالصلاة فيه كما صلى رسولنا مع الأنبياء والرسل، وأن تعرج فيه أرواحنا إلى بارئها، ونحن على ثقة بأنه سيعود وهو وعد الله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا}، {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}..

 

لبنان

انتهى الأسبوع الماضي على عدة أحداث؛ الحدث الأوَّل من لبنان، حيث تتوجَّه أنظار اللبنانيين إلى ما جرى ويجري على حدوده الشرقيَّة، وما تحقق هناك من إنجازات على يد المقاومة الإسلامية، التي نرى أنها حمت لبنان، وعزّزت سبل الاستقرار فيه، وأبعدت شبح المسلّحين الّذين عبثوا طوال الفترة الماضية بأمن الوطن.

 

ورغم وعينا للمخاطر التي قد تحدق بالسّاحة اللبنانيّة، والّتي يتحدّث عنها البعض ويشير إليها، فإنّنا على ثقة بأنّ ما حصل ويحصل سيساهم في تقليل حجم المخاطر وحتى إزالتها، مع بقاء الحاجة ماسّة إلى وعي القوى الأمنيّة، وتكاتف اللبنانيين لمواجهة العابثين باستقرار الوطن وأمن شعبه.

 

إنَّنا ندعو اللبنانيين إلى عدم اعتبار ما تحقّق لمصلحة جهة سياسية أو محور أو طائفة أو مذهب، بل لحساب كل اللبنانيين، فهذه القوى التي كانت جاثمة على الحدود الشرقية، لم تكن تستهدف طائفةً أو مذهباً أو قرىً معينة، بل كانت تستهدف كلّ القرى اللبنانيّة بكلّ تنوعاتها، فهي كما كانت تستهدف بريتال واللبوة ويونين ونحلة والبزالية، كانت تستهدف ولا تزال عرسال ورأس بعلبك والقاع.

 

ونبقى في الداخل اللبناني، لنعيد دعوة المسؤولين في هذا البلد، إلى الكف عن سياسة الانتظار التي باتت طابع السياسيَّة اللبنانيَّة؛ انتظار تغييرات تجري هنا وهناك، وقد لا تجري كما تشتهي سفنهم، ما يبقي البلد في حال جمود ومراوحة على المستوى السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وصولاً إلى ملف التّشريع والتعيينات حتى للمواقع الأمنيّة، في وقت أحوج ما يكون البلد إلى تعزيز قواه الأمنيَّة.

إنَّ الأوضاع اللبنانيَّة الحسّاسة تفرض على المسؤولين في لبنان العمل على الإسراع في إخراج البلد من كل أزماته، ونحن نعتقد أنهم قادرون على حلّ الملفات العالقة، إن قرروا إيجاد الحل، وخرجوا من مصالحهم الخاصة، أو الطائفية، أو المذهبية، لحساب المصالح العامة.

 

وعلى هذا الأساس، فإننا ندعو المسؤولين إلى التَّسامي عن هذه المصالح الضيّقة عند تعاملهم مع بعض القضايا الحسّاسة، كما حدث في قضية الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية، فيما يتعلّق بقضية الوزير السابق ميشال سماحة، ما أشعل عاصفة سياسية وإعلاميّة، وأحدث انقساماً كبيراً حول مؤسَّسة أساسية في الدولة قد يعيد التوتر إلى البلد. ونحن في الوقت الذي نعي مخاطر ما حدث، نرى أنّ المطلوب هو اللجوء إلى النظام القضائيّ والآليات القانونيّة المعتبرة لتمييز الحكم وتسديده، إذا كان هناك من مأخذ أو أخطاء قد ارتكبها هذا القاضي أو ذاك، وعدم تحويله إلى مادة للسّجال والتوتر.

 

اليمن

وننتقل إلى اليمن، حيث نأمل أن تساهم الهدنة التي حصلت في هذا البلد في تضميد جراح اليمنيين الكثيرة بعد معاناة الأيام السابقة، وإن كنا ندعو كلّ الفرقاء في اليمن وكل المؤثرين في هذه الساحة، إلى بذل جهودهم لإبعاد شبح الحروب عن هذا البلد نهائياً، بعد ما تبيَّن حجم المآسي التي تركها القصف الجويّ والبحريّ والحروب البريّة على هذا البلد الفقير..

وانطلاقاً من الواقع الإنساني المتردّي، والدمار الذي حل في هذا البلد، فإننا ندعو إلى مدِّ يد العون للشَّعب اليمنيّ بكلّ فئاته، وأن يكون ذلك للجميع، بعيداً عن أي اعتبارات قد تدخل على خط المساعدات، فالكل معنيون بذلك، دولاً وشعوباً وأفراداً.

إنَّ هذا البلد يستحقّ من جيرانه ومن كلّ العالم العربيّ والإسلاميّ عضلات إنمائيَّة بدل العضلات العسكريَّة، مما لا ينتج إلا خراباً ودماراً، هو بحاجة إلى يد تمتدّ إليه لتخرجه من فقره، لفقدانه أبسط مقومات الحياة الكريمة.. إلى رعاية واحتضان لحفظ إنسانيته وكرامته، فبالإحسان والمحبة تكسب القلوب، لا بالهيمنة والإضعاف والإذلال.

 

العراق

وإلى العراق، حيث نجحت قياداته السياسية والدينية المخلصة، الشيعية والسنية، من خلال مواقفها الإسلامية والوطنية وتحركها السريع، في احتواء الفتنة التي أراد إشعالها أولئك الذين يبيّتون للعراق وأهله الشرّ الدائم، عبر إحراق أحد مباني الوقف السني في حيّ الأعظمية في بغداد.. إننا نقول لكل العراقيين: الوعي الوعي، الصبر الصبر، كونوا العين الساهرة على وحدتكم الإسلامية، حاصروا دعاة الفتن، اضربوا بقوة أيدي الإجرام من أجل إنقاذ بلدكم من دائرة الخطر الذي لا يزال يعيش فيها.

 

فلسطين

أما فلسطين، فإنها تستعيد اليوم الذكرى السابعة والستين للنكبة، التي لم تتوقف آثارها وتداعياتها، بل هي جريمة صهيونيّة متواصلة كل يوم، قتلاً وتهديداً واستيطاناً. إننا إذ نشدّ على أيدي الشعب الفلسطيني المجاهد، الّذي قدّم أغلى التضحيات في هذا الطّريق، ندعوه ومعه كلّ الشعوب العربية والإسلامية، إلى متابعة الطّريق؛ طريق الوحدة والمقاومة، وعدم الرهان على مفاوضات لم تنتج سوى المزيد من الارتهان لهذا العدوّ وإذلال إنسانه، وكانت وسيلة لتبرير جرائمه، ومواصلة مشاريعه الاستيطانية، وتهويد القدس، وخداع الرأي العام العالميّ.

 

انتخابات المجلس الشرعي

ونتوقف أخيراً عند انتخابات المجلس الشرعي في لبنان، لنهنئ دار الفتوى على إنجاز انتخابات المجلس الشرعي، والذي نأمل أن يساهم في تدعيم الساحة الإسلامية، وتعزيز مناخات الوحدة فيها، وبذل جهود إضافية لنزع الفتيل المذهبيّ الّذي يعمل الساعون إلى الفتنة على اللعب على وتره.

إننا نبقى نراهن على دورٍ رائد للمؤسَّسات الدينيَّة في تعزيز مناخات الوحدة، والعمل لحلّ المشاكل التي ينتجها الواقع السياسي، بدلاً من أن تكون صدًى له..

 

Leave A Reply