الكلمة موقف مقاوم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم»

لقد اعتبر القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الإعداد للقوة واجبا وفريضة وليس خياراً هي فعل أمر. فالمؤمن القوي هو خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف كما ورد في الحديث .. فالرجل القوي خير من الرجل الضعيف، والمرأة القوية خير من  المرأة الضعيفة، والطفل القوي خير من الطفل الضعيف،  والمجتمع القوي خير من الضعيف، والاوطان القوية خير من الضعيفة وهكذا ..

أما عناصر القوة فتُصنع صناعة وتحفظ وتُصان وتصقل حتى أننا نتحدث عن ما فوق القوة  أي المكنة والمتانة. فالمطلوب قوة ومتانة في كل ما نقوم به، وهذا ما نسعى اليه ونحن ندعو: "اللهم اني اشكو اليك ضعف قوتي" "اللهم فقوني بقوة كافية وتولني بعصمة مانعة"

وإذا أردنا أن نحدد القوة ونعرّفها فهي خلاف الضعف والوهن، وهي لا تنحصر بمجال واحد، ولا بنوع واحد ولا في ظرف واحد وهي مطلوبة في حياة الانسان العادية واليومية وصولا الى القضايا المصيرية.. وإلى جانب اعداد القوة البدنية والعتادية والتدرب على القتال ومواجهة الاعداء تمتد القوة  لتطال الكلمة التي هي ترجمة للفكرة والمنطق والرأي. فالكلمة سلاح  غير مكلف في وجه الاعداء لدعم قضية ولرفض باطل او لتقويم اعوجاج، و من هنا وردت دعوة رسول الله: "جاهدوا بأموالكم و أيديكم وألسنتكم"، فالكلمة موقف مقاوم.

 

في الامس القريب كان الكلام في القضايا العامة او المصيرية محصورا عند فئات قليلة: الخطباء والوعاظ والكتاب والمثقفون وكانت منابر التعبير نخبوية هي الأخرى، بحيث كانت تقتصر صياغة الواقع وصناعة الحقائق على من يملكون المنابر ووسائل الإعلام والمواقع السياسية والدينية والرسمية.

أما اليوم، في عصر التواصل الإجتماعي والإعلامي، فقد اختلف الوضع كليا، هناك مساحة لكل فرد بأن يتكلم ويناقش ويوضح ويُنشئ جمهوره المفتوح والمتنوع والواسع. لقد بات الامر متوافراً بطريقة غير مسبوقة، والمنافسة هي بالكلمة والصوت والصورة.. 

 

انها مجال حيوي وطاقة ونعمة  يجب أن يُستفاد منها وهي مسؤولية، فبها نكمل ونرفد قوة السلاح التي هي الأساس، فالسلاح لا بد أن ترفده الكلمة التي تعبر عنه، عن منطلقاته وأهدافه ومراميه، حتى لا تُشوه أهدافه من الإعلام والدعاية المضادة من جهة، وحتى تصل القضية إلى جمهور أوسع وأبعد من جهة أخرى.

 

أن عدونا  ايها الاحبة دأب منذ نشأته أن يستعمل المجزرة بكف والدعاية الكلامية "البروباغندا" بيد أخرى. فهو يستعمل الشعارات الرنانة والكاذبة التي كان يتلقفها الإعلام العالمي طوعاً لتجميل الجريمة وتحويل الضحية جلاداً والجلاد ضحية .

كما  اليوم في واقعنا المؤلم يُقتل الاطفال بدم بارد ومتعمد، وبكل وقاحة وصلافة يخترع العدو الكذبة تلو الأخرى مبررا ونافياً وحتى أنه وصلت به الأمور لإتهام الفلسطينيين بقصف أنفسهم! والعدو في كل ذلك يجد من يسوّق له كذبه سياسيا وإعلاميا.

لهذا المطلوب منا أن نقاوم بالسلاح بيد ونقاوم بالكلمة والصورة  من خلال طرح القضية بشكل ذكي فعّال  وبجهوزية تامة لدحض المزاعم  وإيصال الصورة الحقيقية لما يجري – وقد بدأنا في هذه الحرب نرى تباشير ذلك – وكما هو مطلوب أن نتوسل لأجل ذلك الادب والفن والاعلام وكل ما أمكننا .

 

الكلمة بالنسبة لنا هي حاملة للمعنى هي تستدعي كل المعاني  خاصة ان كانت هذه الكلمات هي صادقة ونابعة من القلب وتستند  إلى المعرفة وبعيدة عن الزيف وعن التهريج وعن التناقض والسذاجة بل كلمة تنطلق بدراية وتصوب بدراية. مطلوب أن نوجد (قبة) شبكة حديدية واقية نبطل فيها مفاعيل الكذب والافتراء اين ما حلّوا او توجهوا.

 

يقول البعض اننا عاجزون لا يمكننا ان نفعل شيئا إزاء ما يجري من حولنا من العدو الاصيل ام  من الاعداء بالوكالة  الذين يعبثون بأمتنا وبالانسانية جمعاء. صحيح الامر صعب لكن لدينا أيضا الكثير لنقدمه وندعم المجاهدين بإيجاد خلفية فكرية ومواقف واراء تتصدى ليس تعبيرا فقط عن ألمنا وحزننا وغضبنا بل ايضا نتصدى لنفضح الخطط ونبين الحقائق. كما بامكاننا أن نشكل حالة ضغط لنلقي الحجة بارسال الرسائل والوثائق والصور وللتصويت وتشكيل مجموعات فاعلة .

 

أيها الأحبة،

لقد ساهمت كلمة الحق بدور كبير في تاريخ الرسالات السماوية، فهي السلاح الأول والأمضى، الذي استخدمه الأنبياء والأولياء والصالحون في مواجهة الإنحراف الفكري والعقائدي والأخلاقي. والتاريخ مليء بالمواقف التي كان فيها للكلمة الدور الكبير في تعطيل مفعول كيد الاعداء وفي استجلاب المتعاطفين والداعمين:

 مثلا في حكاية مواجهة نبي الله ابراهيم مع طاغوت عصره نمرود، ينقل لنا القران الكريم محاججته إياه، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبَرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} و يُروى أن النمرود حينئذ أراد أن "يتذاكى" فجاء برجل محكوم عليه بالموت فعفا عنه {فقَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } (آية 258). فقد كان لهذه المحاججة بقوة المنطق لإبراهيم(ع) واسلوب الإستدراج الذي واجه به خصمه الدور في ميل الناس إلى ابراهيم والتحاقهم به .

وللكلمة عند نبي الله موسى دورها الأساسي في مواجهة فرعون، فعندما دعاه الله أن يذهب إليه متسلحا بالنبوة، شعر موسى أنه لا يملك فصاحة اللسان والطلاقة كما يملكها هارون: { وَاحْلُلْ عُقْدَة مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُون أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}

 

كما وتذكر السيرة في قصة الرسالة النبوية كم كان لكلام جعفر بن ابي طالب من أثر في محضر النجاشي، ملك الحبشة الى درجة أن أبكاه، بعد أن قدم إليه وفد قريش بالهدايا طالبا منه تسليمهم المسلمين المهاجرين وطردهم من الحبشة. لقد كان لكلام جعفر حينها وقوة منطقه في تبيان معاني الإسلام وأسسه ونظرة القران إلى السيد المسيح والسيدة مريم مما عكس صورة طيبة عن رسول الله وعن ما جاء به، مبطلا بذلك كيد  قريش ومؤمّنا للمسلمين سندا قويا وأول حليف استراتيجي في مسيرتهم.

  

أيها الأحبة

اننا احوج ما يكون امام كل الواقع الذي يتحدانا  أمنياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً أن نواجهه بالوعي.. في واقعنا تتحرك الكلمات التي تدعو الى الانحراف والفساد، وقلب الحقائق وتثبيط العزائم وبعث الهزيمة في النفوس، وتغيير المفاهيم والأفكار والعادات والتقاليد.. كلمات وفتاوى  تعيد الأمة الى جاهليتها وإلى ما قبل جاهليتها بقرون وفي ظل هذا الواقع نحتاج  الى استنفار الجهود للرد  في المكان نفسه وبالقوة نفسها  حيث لا يدخل الحق الا من حيث يدخل الباطل ليعطل مفعوله.

 

ايها الاحبة ..

 القوة من دون ضوابط واخلاقيات  تصبح بطشا وطغيانا وتجبرا. ان استعمال القوة في الاسلام تقيده أخلاقيات محددة  فكما السلاح لا بد من أن تحكمه ضوابط كان رسول الله يحددها: " لا تقتلوا مدبرًا، وَلا تجهزوا عَلَى جريح، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن " – و طبعا هذا خلاف ما تقترفه الجماعات المنسوبة زورا إلى الإسلام,_ علينا  ايضا في كلامنا ومواقفنا ان نفعّل الأخلاقيات نفسها والقيم نفسها.

 

فنحن وانطلاقاً من قيمنا ومبادئنا لا نريد لأي كلام، أن ينطلق بردات فعل على ما يصدر من الآخرين… ولا أن ينطلق جزافاً، وكلام لا بد ان يكون اخلاقيا، غير بذيء لا يشتمل على شتائم وسباب، ليس لأن عدوك لا يستأهل ذلك،  بل لأننا مأمورون أن نبقى على تماسكنا وأخلاقنا.. والكلام لا بد ان يكون صادقاً، لأن الكذب غير مبرر تحت اي عنوان، ولا تقل اكذب للمصلحة.. وكما كان يقول البعض عندما يدس احاديث عبر صحيحه عن رسول الله(ص) والأئمة(ع): "اكذب لهم لا عليك". ثم ان الكذب يضر بمصلحة قضيتك ورسالتك ولا يفيدها .

 

أيها الأحبة

في الصراع  اليوم و في ظل موازين القوى العسكرية غير المتكافئة والدعم السياسي والمالي غير المنصف أو العادل، تكتسب كلمة الحق أهمية مضافة ولهذا فنحن بحاجة الى من يتقن هذا السلاح، الى من يُحسن استخدامه ويعد العدة لها كما يعد المجاهدون أنفسهم للمواجهة العسكرية بنفس المستوى من التخطيط والتعاضد والهمة والوعي..

لقد سئل الإمام زين العابدين عن الكلام والسكوت أيهما أفضل: "قال الكلام لأن الله ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت إنما ذلك كله بالكلام"

و«أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»

والحمدلله رب العالمين

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، الاستهداء بما جرى في معركة الأحزاب، الَّتي مرّت ذكراها في الثالث من شهر شوال؛ هذه المعركة التي تجمّعت فيها قوة الشرك المتحالفة مع اليهود المتواجدين في المدينة، لاستئصال الإسلام.

وقد برزت في معركة الخندق بطولة الإمام علي(ع)، عندما قفز أحد المشركين، وهو عمرو بن ود العامري، إلى الخندق، ووصل إلى حيث يتواجد المسلمون، وكان عمرو من أشجع فرسان المشركين، وتُقدّر قوته بقوة ألف فارس، وراح يختال أمام المسلمين، داعياً إياهم إلى النزال، فقال رسول الله(ص) حينها: "مَن منكم يبرز لعمرو، وأنا أضمن له الجنة؟!". قالها رسول الله(ص) ثلاثاً، وفي كلّ مرة، كان الإمام علي يقوم قائلاً: "أنا لها يا رسول الله". عندها، أعطاه الرسول سيفه، وعمَّمه بيده، ووجّهه صوب عمرو قائلاً: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله".

ولما وصل(ع) إلى عمرو، قال له: "كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجبته بواحدة، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال: أولاً، أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتسلم لربّ العالمين"، فقال له: "دع هذه!"، قال(ع): "فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة". قال: "إذاً، تتحدث نساء قريش عني أنَّ غلاماً خدعني، وينشد الشعراء أشعارها أني جبنت".

 

قال(ع): "فإني أدعوك إلى البراز راجلاً"، فقال: "ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني"، فتصاولا وتجاولا، ولم تنجلِ الغبرة إلا والإمام على صدره وقد صرعه. وقال رسول الله(ص) يومها: "ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين".

 أيها الأحبَّة، لن ننسى معركة الخندق، ستبقى حاضرة لنتذكّرها كلَّما تكالب علينا الأعداء، وأحاطوا بنا، وسنبقى نقول: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}، وسنبقى نثق بوعد الله الذي تحقق في تلك المعركة على يد الإمام علي(ع): {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}، وبذلك، سنكون أقوياء، وسنقدر على مواجهة التحديات مهما بلغت.

 

والبداية من غزة، الَّتي لا تزال تتعرَّض للعدوان، وتقف بشموخ وكبرياء وعزة وعنفوان في مواجهة جبروت العدو وغطرسته وآلته العسكرية، ولم ترفع الراية البيضاء، ولم تستسلم، ولم توجّه كلمة لوم واحدة للمقاومة، ولم تتنازل عن حقّها برفع الحصار عنها، رغم ما تتعرض له من حرب إبادة طاولت العشرات من العائلات، واستهدفت النساء والشيوخ والأطفال، ومن التدمير الممنهج للبيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات، وصولاً إلى تدمير خزانات وقود محطة الكهرباء في القطاع، حتى إن العدو لم يوفّر وسائل الإعلام من عدوانه.

وبالرغم من وقوف أميركا والعالم الغربي مع العدو، وتبريرهم لجرائمه، ورغم الصمت العربي والإسلامي المطبق، والاكتفاء بمواقف وإدانات خجولة، أو بمسيرات وتظاهرات ليست بالمستوى المطلوب، وكأنَّ الجرح النازف في غزة ليس عربياً ولا إسلامياً، فقد قرّر هذا الشعب المجاهد أن يشيح بعينيه عن كل هذا الواقع من حوله، وأن يصم آذانه عنه، وأن يتابع مسيرة صبره وصموده وثباته وتضحياته، واستمر مجاهدوه بتسطير ملاحم البطولة في داخل غزة، وخلف خطوط العدو، مانعين هذا الكيان من تحقيق أي إنجاز أو هدف على الأرض، حيث يقف عاجزاً غير قادر على الاستمرار في حملته البرية.

لقد أعادت المقاومة في فلسطين الاعتبار إلى هذه الأمة، كما فعلت المقاومة في لبنان، وأكَّدت قدرتها على الوقوف في وجه أعتى عدوّ، وأحبطت كل دعوات الهزيمة والذل والاستسلام لمطالب العدو.

 

إننا أمام كل هذا الصمود والصبر والثبات الذي أدهش العالم، وفاجأ الصديق والعدو، ورغم أن الألم يعتصر قلوبنا للمشاهد المؤلمة والمجازر المروعة، نحيّي صمود هذا الشعب وصبره، ونحيّي مقاومته التي لن نعلّمها ماذا تفعل، ولن نعطيها دروساً، فهي التي تعطينا الدروس الكبرى، وليس علينا إلا أن نشدّ على أيدي مجاهديها ومقاوميها.

وأمام ذلك كله أيضاً، نعيد دعوة العالم العربي والإسلامي إلى تحمّل مسؤوليته في نجدة هذا الشعب، ومساندته بالكلمة والموقف، وحتى بالدموع التي كنا نتمنى أن تُذرف من بعض العرب، كما ذُرِفت من مسؤول الأونروا في غزة، وهو يتحدّث عن أطفالها، ولكن، مع الأسف، لا نزال نرى أن البعض يبرّر لهذا العدو اعتداءاته ووحشيته ومجازره.

كما ندعو، وانطلاقاً مما يجري في غزة، إلى تجميد كلّ الخلافات، وتبريد كلّ الحساسيات، وعدم الاستمرار بلعبة المحاور، ليتوجّه الجميع إلى القضية الأساس؛ قضية فلسطين، الَّتي ينبغي أن تبقى أمّ القضايا، فإذا سقطت، لن يبقى بلد عربي وإسلامي آمن، وقد نشهد تكراراً لهذه المشاهد وهذه الصور، في أكثر من بلد عربي وإسلامي.

ونعيد دعوة الفصائل الفلسطينية إلى المزيد من التماسك والتراصّ، حتى لا يلعب اللاعبون في ساحة الخلافات، ولا يدخلوا القضية في أتون صراعات المحاور.. ونقول للغرب: إنَّ عليك أن تكون منسجماً مع ما تعلنه من حريات وحقوق للإنسان، فلا تكيل بمكيالين، وتزن بميزانين.

 

ونصل إلى العراق؛ هذا البلد الذي لا يزال يكتوي بالنار التي تشتعل على أرضه، في ظلّ الخوف على وحدته، وعلى التنوّع الموجود فيه، ووسط الخلافات التي تعصف بين مكوناته السياسية، والتي أدّت وتؤدي إلى عدم اختيار رئيس لمجلس الوزراء، وعدم تأليف حكومة تكون قادرة على مواجهة التحديات، وإعادة اللحمة بين أبنائه.

ومن هنا، فإنَّنا ندعو كلّ مكونات الشَّعب العراقي، إلى الخروج من كلّ حساباتهم الضيّقة، والانصياع إلى نتائج الانتخابات التي شارك الجميع فيها، والقبول بما أدت إليه، حرصاً على مستقبل العراق واستقراره ووحدته، والوقوف صفاً واحداً في وجه المؤامرات التي تستهدف المسلمين والمسيحيين، وكل التنوّع الموجود.

ونحن نرى أنَّ ما يحدث في الموصل، وفي العراق بشكلٍ عام، يشكّل تهديداً لكل العراقيين، وللمسلمين فيه كما للمسيحيين، فالتهجير مشترك، والمعاناة مشتركة، ولا بدّ من أن يرتفع الصوت واحداً في مواجهة هذا الفكر الإلغائي الإقصائي، الذي يشكّل مشكلة للجميع.

 

ونصل إلى لبنان، الذي لا يزال يعاني الفراغ الرئاسي، وعدم الاحتكام إلى المؤسَّسات الدستوريَّة، الأمر الذي ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي في هذا البلد، كما يعاني المواطن فيه عدم تلبية احتياجاته الأساسية، التي باتت عرضة للتجاذبات بين مواقعه السياسية، وليس آخرها أزمة تصحيح الامتحانات الرسمية، التي تربك مستقبل الطلاب.

إننا نأمل أن تساهم الحركة السياسية التي جرت مؤخراً، في تحريك الملفات، وخصوصاً ملف سلسلة الرتب والرواتب، وتثبيت الاستقرار المطلوب في هذا البلد، حتى يكون بمنأى عما يجري في محيطه، سواء في فلسطين أو في سوريا، إذ لا يمكن أن تُواجه المخاطر بترهّل سياسي، ولا بانقسام بين أبنائه، فتحقيق الاستقرار لا يتحقق إلا بوفاق داخلي، وعلى المسؤولين أن يسارعوا إلى إتمام هذا الوفاق، قبل أن تكبر الأزمات، ونغرق في المجهول الذي لا نطيقه ولا يطيقه أحد، فتكفي كل معاناة الماضي، ولا بدّ من تأمين الأمان والعيش الكريم لجميع المواطنين.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 5 شوال 1435هـ الموافق : 1 آب  2014م

 

Leave A Reply