سيرة عليّ(ع) مدرسة للأجيال

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

قال الله تعالى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. نعيش في الثالث عشر من شهر رجب، في رحاب وليد الكعبة عليّ(ع)، ورحاب مدرسته، لنستفيد بعضاً من دروسه، وما أكثر دروس عليّ(ع)!
قيمة علي(ع)
وبإمكان أيّ متتبّع لسيرته(ع) ومواقفه، أن يكتشف معدنه، وقد شهدنا الكثيرين ممن تتبَّعوا سيرته، رغم أنَّهم لم يتولّوه في المذهب، فقد تعمَّقوا في أقواله، وحلّلوا مواقفه، ودرسوا آثاره وشخصيّته. ومن هؤلاء: جورج جرداق، وبولس سلامة، ونصري سلهب، وطه حسين.

هؤلاء وكثيرون غيرهم، سخّروا أقلامهم ليكتبوا عن عليّ(ع) نثراً وشعراً، وأعدّوا كتباً ومجلّدات، صارت مرجعاً في معرفة عليّ وفي حبّه وفي إنصافه، إضافةً إلى ما يذكره التاريخ من أقوال وأوصاف لخّصت بعضاً من سماته مثل: "عجبت لرجل كتم أعداؤه فضائله حسداً، وكتمها محبّوه خوفاً، وخرج ما بين ذين ما طبق الخافقين"، ومثل: "احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل، دليل على أنه إمام الكلّ".
أيها الأحبَّة، دروس عليّ(ع)  كثيرة ومتشعّبة، لا تقبع في التاريخ وفي مرحلتها فقط، إنما تصلح لكلّ زمان ومكان، لأنّها دروس مطلقة في الفضاء؛ فقد ارتبط اسم عليّ بالحق دعوةً وحفظاً وتبياناً وعملاً ونشراً وفلسفةً وأقوالاً، فعليّ(ع) كان يعلّمنا أن نصغي إلى الحق، وأن نأخذ به، وأن لا تخدعنا كلّ العناوين البراقة وحسابات الأكثريَّة والأقليّة، وكلّ ما يخدع به الناس، حتى لا نسير على غير هدى في السياسة أو الدين أو الاجتماع، وحتى لا نضيع كما ضاع الكثيرون وانحرفوا، فالحقّ، وإن كان واضحاً لذوي البصيرة، قد يضيع في ظلّ تنامي العصبيات المذهبيَّة والطائفيّة، وهي آفة الآفات من مجتمعاتنا، فضلاً عن العصبيّات السياسيَّة والغرائز، وحسابات المصالح والأهواء.

إنَّ الباطل لا يعرض نفسه على أنّه باطل، بل إنه يتزيَّن بأجمل لباس، ويُقدّم نفسه على أنه الصواب، وإلى ذلك يشير الله: {كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}.

ومن هنا، كانت الدَّعوة إلى تزكية النفس وتطهيرها ومحاسبتها ومجاهدتها ومعاندتها، حتى لا تقع في محظور الباطل، ويلتبس عليها الحقّ. والله سبحانه وتعالى يُخيّرنا بين الطريقين: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

الانقلاب المقنّع
أيّها الأحبَّة، لقد عانى عليّ(ع) بعد رسول الله(ص) هذا الداء؛ داء إلباس الباطل بالحقّ وتزيينه، لقد عانى هجرة مضادة عن الإسلام؛ هجرة لم تتمثَّل بحركات الردّة الواضحة والصَّريحة، والّتي ذكر أنها حدثت بعد وفاة رسول الله(ص)، والتي يجب على كلّ حال، أن يتم دراسة ظروفها ومجرياتها، وحتى إعادة النظر في أسبابها، بل إنّ معاناة عليّ(ع) كانت في ردّة أخرى؛ ردة مقنّعة لم تهجر الدين، بل تمسّكت بعباءته، وادَّعت تمثيله، وأخذت عناوينه، واستغلَّته وأحاطت نفسها به، لتحقيق مآرب هي أقرب إلى الجاهلية منها إلى الإسلام، وإلى هذا أشار عليّ(ع): "وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَةِ أحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الإيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ".

فمن هم الّذين ناوؤوا علياً؟ إنَّ الذين وقفوا في وجه عليّ(ع) وحاربوه، لم يكونوا مشركين، أو من أهل الكتاب، أو حتى مسلمين عاديّين بالمعنى المعنويّ. إنّ الذين وقفوا في وجه عليّ(ع) وحاربوه، كانوا يُعتبرون من كبار الصَّحابة، كطلحة والزبير، وزوجة رسول الله(ص) عائشة، كما حصل في حرب الجمل. وقد استخدموا في مواجهته سلاحاً مؤثّراً؛ سلاحاً عاطفياً، ورفعوا في وجهه شعار الثأر لعثمان، وحملوا قميصه الملطَّخ بالدم، ودخلت على خطّ ذلك الماكينة الإعلاميّة لبني أمية، وسخَّرت في هذه الحملة الأحاديث التي نُسبت إلى رسول الله(ص). 

ومن المفارقات، أنَّ الكثيرين من المتهمين بقتل عثمان، نالوا الحظوة بعد ذلك عند معاوية، بعدما استتبّ له الأمر في الشّام. ومن المفارقات أيضاً، أنَّ بعض من رفع شعار الثأر من قتلة عثمان، كان في السابق صاحب شعار: "اقتلوا نعثلاً فقد كفر"، ويقصد بذلك عثمان.

لقد واجه الإمام عليّ(ع) في هذه الهجمة الإعلاميَّة والسَّياسيَّة تحدياً وصل إلى حد الحشد العسكريّ في معركة الجمل، وصفين بعد ذلك، والنهروان مع الخوارج. وما أشبه اليوم بالأمس، حين تتكرَّر الصورة، لكن بعناوين وشعارات جديدة! فلو كانت معركة الجمل أو صفين، ستجري في عصرنا، لشهدنا الموجة نفسها، والهجمة نفسها، ولكن مع مصطلحات حداثيَّة، كإجماع الأمّة والعرب، والتحالف الدوليّ والإقليميّ والقرارات الدولية.  

ميزان الحقّ
كان الموقف من القسوة على عليّ(ع) يومها إلى حدّ جعل أقرب الناس إليه، وهو ابنه محمد بن الحنفية، يقول له: "يا أبت، أيمكن لطلحة والزبير أن يكونا على باطل ونحن على حق!؟"، في الوقت الَّذي نعرف أنَّ طلحة والزبير كانا ممن وقفا معه في أمر الخلافة بعد وفاة رسول الله(ص)، فأجابه(ع) قائلاً له: "يا بني، إنك لملبوس عليك، إنَّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله".
وقد قال الدكتور طه حسين عن هذا الموقف: "إنها جملةُ وأصلٌ لا يمكن لأيّ لغة من لغات البشر أن تأتي بمثلها"، وقال الدكتور علي شريعي: "لقد أجاب عليّ جواباً صار بحقّ درساً للبشريّة جمعاء".
لقد تعرَّض الإمام عليّ(ع) بكلّ تاريخه الناصع، وبكل إخلاصه وحرصه على وحدة المسلمين، بكل طهارته وصفائه ونقائه، لأسوأ ما يمكن أن يتعرَّض له إنسان رساليّ، ولكنَّه ثبت وصمد ولم يتراجع، وقد قال(ع) لولده: "تزولُ الجبالُ ولا تَزُل، عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ، أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ، تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ، اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ".

هذه هي قيمة عليّ(ع)؛ كان يتطلَّع إلى الناس بعين البصيرة والوعي، فلم تغرَّه أشكال الناس ولا العناوين الَّتي يحملونها، بل التزم الحقّ ولم يحد عنه، وكان مقياسه بمنطوق رسول الله: "علي مع الحقّ والحقّ مع علي"، ففي الحقّ، لم يساير أحداً، ولم يشتر الناس، ولم يعدهم بمناصب، فيما أجادها معاوية، وبرع فيها، وبنى عليها حكمه.

أيها الأحبة، لنأخذ من موقف عليّ(ع) درساً في الجانب الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والنفسيّ؛ الدَّرس الجامع الَّذي تنضوي تحته الكثير من التفاصيل، وعنوانه أن لا يخدعنا أحد بتاريخه ولا بكلماته المعسولة، بل نحدّق دائماً في التبدلات والتغيرات وحسابات المصالح.

صفاته الرسالية
ويبقى السؤال: ما الذي جعل علياً يثبت ويصمد، رغم كلّ هذه الهجمة وهذه الوحشة والغربة التي عاناها؟ والجواب عند عليّ(ع): إنها العبودية لله. لقد كانت حساباته مع ربّه الَّذي تغنيه عن كلّ الحسابات، وهو من قال: "صانِع وجها واحداً يكفك الوجوه". لم تكن حسابات عليّ(ع) دنيويَّة، فلم يكن المنصب يعنيه، وهو القائل لابن عمه ابن عباس، عندما رآه يخصف نعله: "أترى هذه النعل، إنَّ قيمتها عندي لأفضل من السلطة والحكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً".

لم تكن الدنيا بكلّ زخارفها وبهارجها تعني علياً، وهو من خاطبها عندما أقبلت عليه وهو في منصب الحاكم: "يا دنيا غرّي غيري، قد طلقتك ثلاثاً، لا رجعة بعده"، "مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى، وَلَذَّةٍ لاَ تَبْقَى". ولم يكن رضى الناس يعنيه، وهو القائل: "لا تزيدنّي كثرة الناس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عني وحشة".

لقد حصّن الإمام نفسه تجاه كلّ أمراض الدّنيا؛ هذه الأمراض المنتشرة في كلّ مكان وزمان. فاليوم، وبحسابات سريعة جداً، نجد أنَّ فلاناً الكبير الشأن سقط، وأنّ ذاك العالم بالأمس كان قدوةً ومعلّماً، واليوم تخلّى عن كل تاريخه لحساب دنيا هي أقل بكثير من دنيا هارون الرشيد، وأنَّ آخر تغيّر لأنه اشتُريَ بسفرة أو بهدية أو بغداء، وأحياناً بفنجان قهوة، وما أرخص شراء الأقلام والمواقف في هذه الأيام!
لقد كان الإمام عليّ(ع) شخصيّة فذة متينة، لديها كل الحصانة تجاه الأساليب الملتوية، فالدهاء عنده ممنوع، والغاية لا تبرّر الوسيلة، ولا تحالفات عنده تُخِلُّ بالأخلاق، وهو القائل: "والله، ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس".

والأخلاق نفسها جعلت علياً لا يحمل في قلبه حقداً ولا غلاً يغذّي به الانتقام، ويكفي أن نجده يرفض من أصحابه أن يسبّوا أهل الشام، وهم الَّذين جاؤوا بقيادة معاوية ليحاربوه، وقال يومها: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم".
أيها الأحبّة، لقد عانى عليّ(ع) وتحمّل، وسُبَّ على المنابر، وشُهر سيف الحقد بوجهه وبوجه كلّ الذين يتولّونه، ولكن أين كلّ أولئك وأين عليّ(ع)؟!
لقد بقي عليّ أنشودةً على لسان كلّ أصحاب الحق والعدل والثبات على المواقف حتى الشهادة، وبهذا النهج، نبقى على طريق عليّ(ع).  

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلوبنا بذكره، وأحذّركم وأحذّر نفسي من كلّ عمل يؤدّي بنا إلى الوقوع في نار الله، فليس لجلدنا الرقيق صبر عليها، وقد جرَّبنا أنفسنا في الدّنيا، فرأينا جزع أحدكم من الشَّوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه، فكيف إذا كان بين طابقين من نار! والله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}.
وحتى نبلغ التَّقوى، لا بدَّ من أن نستهدي بعليّ(ع)، لنكون حيث كان في مواقع العلم والعمل والتَّضحية والفداء وحبّ الله والعدالة والإنسانيَّة. فباستهدائنا به، نواجه التّحدّيات والصّعوبات.
أقفل الأسبوع الماضي على عددٍ من الأحداث:

سوريا.. وتستمرّ المأساة
أوَّلاً: تزداد الأعمال العسكريّة في سوريا في العديد من مناطقها، ما يوحي بترجيح الكفّة لصالح فريق على آخر. إنَّنا وأمام ما يجري، ندعو كلّ أطراف الصّراع في هذا البلد المنكوب، إلى إجراء حسابات موضوعيَّة تأخذ في الحسبان المعطيات الداخليَّة والإقليميَّة والدوليَّة، وهي معطيات لا تسمح بأيّ حسم في هذه المرحلة. ومن هنا، نعيد دعوة الأطراف جميعاً إلى العودة مجدَّداً إلى الحوار، والجلوس إلى طاولة واحدة، بعيداً عن الشّروط والشّروط المضادّة.
ولا ننسى هنا تدخّل الكيان الصّهيونيّ الّذي يطلّ بين الفينة والأخرى، والَّذي يستفيد من مجريات الحرب لحسابات مصالحه الاستراتيجيّة، ويسعى إلى تسعيرها لإبقاء موازين الصّراع على حالها.

العراق: خطر التقسيم
ثانياً: العراق الَّذي يستمرّ فيه نزيف الدَّم، سواء في التّفجيرات الّتي تحصد الضّحايا، أو في الحرب الّتي فرضت عليه، بسبب تنظيم داعش ومن يقف وراءه.
ويبقى الخطر الأكبر الَّذي يتهدّد هذا البلد في هذه المرحلة، هو تكريس الانقسام الدّاخليّ الحادّ على أساس مذهبيّ أو قوميّ، والّذي تجلّى أخيراً بمشروع قرار في الكونغرس، يدعو إلى دعم الكيانات العراقيَّة، بعيداً عن الحكومة المركزيَّة، ما يوحي بالعودة إلى خطَّة سابقة لتقسيم العراق على أساس كيانات طائفيَّة.
إنَّنا أمام ما يجري، ندعو الجميع في العراق إلى الوقوف أمام هذا المشروع، لكونه مشروع حرب مستمرة، وبديلاً عن وحدة العراقيين، التي يجب أن يسعوا إلى ترسيخها، بحيث يشعرون بتوحّدهم تحت عنوان "المواطنة العادلة"، بدلاً من منطق الأكثريّة والأقليّة، أو منطق المحاصصة الطائفية والمذهبية، ومنطق الغلبة. ولا يظننَّ أحد أنّ استقلال هذا الإقليم أو ذاك، يؤدّي إلى تأمين الحماية لأبنائه من الآخرين، فتقسيم العراق استمرار لحرب لا يراد لها أن تنتهي.

اليمن: قصف وتدمير
ثالثاً: اليمن الّذي دخل، وكما تشير الوقائع الميدانية، في نفق سياسيّ وعسكريّ لا نعرف نهاية له، مع استمرار الغارات التي تشنّ عليه، والصّراع الجاري بين العديد من مكوّناته، واستمرار الحصار عليه، ما يهدّد بفقدان كل مقومات الحياة، حسبما تعلن العديد من المؤسَّسات الإنسانيَّة الدولية.
إنّنا وسط كلّ هذا الجحيم، نعيد التأكيد أنَّ الحلّ في اليمن لن يكون بمزيد من التّدمير، وإزهاق المزيد من الأرواح البريئة، واستمرار المأساة الإنسانيَّة، بقدر ما يتمّ بالإسراع في الحوار بين الأطراف المتصارعين، تحت رعاية إقليمية ودولية حريصة على وحدة اليمن ومستقبل أبنائه، للوصول إلى حلول تزيل الهواجس، وتعيد الثقة بينهم، بعيداً عن منطق الغلبة والاستئثار.

لبنان: لتعزيز مناخ الاستقرار
ونصل إلى لبنان، الذي يعاني أداءً سياسياً لا يأخذ بالاعتبار حجم التحديات التي تواجه هذا البلد على المستوى الأمنيّ أو السياسيّ أو الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ، بحيث يبدو من هذا الأداء، وكأن البلد بألف خير. إن بإمكان كل فريق أو موقع سياسي أن يأخذ راحته في المطالب، ويضع شروطه لتسيير هذا المرفق الأساسي أو ذاك، لكن لا بدّ من أن يعلم أنّ ذلك يؤدي إلى معادلات تطيح برؤوس الجميع.
إننا أمام هذا الواقع، نعيد التشديد على المسؤولين أن يخرجوا من كلّ الحسابات الشَّخصيَّة والطّائفيَّة والمذهبيَّة أو الإقليميَّة أو الدوليَّة، وأن يضعوا حسابات الوطن نصب أعينهم، لتسريع عجلة الدَّولة، إن لم يكن في موقع رئاسة الجمهورية، لتعقيدات هذا الملف داخلياً وخارجية، فعلى الأقل، لتفعيل العمل التشريعي في مجلس النواب، واعتبار كلّ تشريع ضرورة، إن لم يكن لكل المواطنين، فلبعضهم.
إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة، حيث تستعر الحرائق حولنا، ونخشى في كل يوم أن تصل إلينا، إلى كلّ ما يساهم في تثبيت الأرض، وتعزيز مناخات الاستقرار في هذا البلد، سواء على مستوى الخطاب أو الأداء.
ومن هنا، نرى أهمية تفعيل الخطة الأمنيَّة في الضاحية في هذه المرحلة، والتي تأتي ضمن سلسلة خطوات جرت في مناطق أخرى. لقد انتظر أهل الضاحية جميعاً هذه الخطوة ورحبوا بها، لأنهم كانوا ولا يزالون، لا يرون بديلاً عن الدولة لحفظ الأمن الداخلي وصيانة السلم الأهلي، علماً أنَّ القوى الأمنيَّة لم تكن في أيّ وقت غريبة عنهم، ولم يكن هناك خوف منها.
إنَّنا نرحّب بهذه الخطوة، ونراها ضروريَّة، لأنَّها تبعد عن الضّاحية الظّلم الَّذي ألحقه البعض بها، عندما حاول تصويرها كمنطقة عصيَّة على الدّولة، كما أنّها تساهم في تثبيت السلم الأهلي داخلها، ومعالجة العديد من المشكلات التي تسيء إلى صورتها، وتشوّه تاريخها وجهادها وتضحياتها.. وهي الَّتي قدمت أغلى التضحيات في مواجهة العدو الصهيوني، وكانت وستبقى خزاناً للمقاومين وللجيش اللبناني.. ولن تكون أبداً ساحةً لمرتكبي الجرائم والفارين من العدالة وتجّار الموت.
إننا نشدد على ضرورة أن تواكب هذه الخطة الأمنية بخطة إنمائية، تراعي احتياجات المناطق المستضعفة في الضاحية، والتي تحتاج إلى إنماء وتأهيل للعديد من مرافقها ولبنيتها التحتية، ليشعر المواطنون بأنهم في ظل دولة بكل ما لهذه الكلمة من معنى. 

يوم العمل
وأخيراً، وفي يوم العمل، نهنئ كلّ العمال بيومهم، ونثني على جهدهم وعطائهم وتضحياتهم الَّتي تساهم في ترسيخ قوّة أيّ بلد وحضوره، فقوة البلد بعماله، كما بجيشه وقواه الأمنية. ولعلّ أفضل تكريم لهم هو تكريم الله، فيدهم الَّتي تعمل، هي يد يحبّها الله، هي يد عابدة، بل في أعلى مواقع العبادة، وهي يد مجاهدة، تحمي الحريَّة وتثبت دعائمها وتقويها، هي يد تستحقّ التقدير والعطاء ما دامت تعمل بإخلاص وإتقان ومحبَّة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ: 1 أيار 2015 م الموافق 12 رجب 1436 هـ

 

Leave A Reply