فضل الله في احتفال “إطلالة جبيليَّة” في جبيل لا المظلَّة الدَّوليَّة ولا التعهّدات الخارجيَّة تحمينا ما لم نتحاور ونتوحّد

أقام القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو، وأسرة تحرير مجلّة "إطلالة جبيليَّة"، احتفالاً حاشداً لمناسبة العيد الخامس لإطلاق المجلّة، في قاعة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) في مدينة جبيل، برعاية العلامة السيّد علي فضل الله.

 

وقد حضر الحفل رئيس بلدية جبيل زياد حواط، ممثلاً الرئيس ميشال سليمان، النائب عباس هاشم، مسؤول العلاقات العلامة في التيار الوطني الحرّ بسام الهاشم، ممثل المطران ميشال عون، المونسنيور رومانوس ساسين، مفتي جبيل وبلاد كسروان الشيخ عبد الأمير شمس الدين، المحامي جان حواط، الشيخ أحمد قيس ممثلاً العلامة الشيخ حسن طراد، الشيخ أحمد اللقيس ممثلاً والده الشّيخ غسان اللقيس، رئيس المحاكم الجعفريَّة السابق الشيخ حسن عبد السّاتر، المسؤول الإعلاميّ لتجمّع العلماء المسلمين الشّيخ محمّد عمرو، وعدد من الشَّخصيّات العلمائيَّة والبلديَّة والأكاديميّة والاجتماعيّة والثقافيَّة، وممثّلون عن حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل.

 

بداية، تلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم النَّشيد الوطني اللبناني. وبعدها، ألقى الدكتور الشيخ أحمد قيس كلمة باسم العلامة الشيخ حسن طراد، ثم كانت قصيدة شعريَّة للشاعر بشارة السبعلي، فكلمة القاضي الدكتور يوسف عمرو.

ثم ألقى راعي الحفل العلامة السيد علي فضل الله كلمة، تحدَّث في بدايتها عن مدينة جبيل الضاربة عراقتها في أعماق التاريخ، والَّتي مثَّلت الانفتاح والتواصل بكلّ أصالتها، مشيراً إلى أنَّ القاضي الشيخ عمرو عمل على أن يظهر هذه القيم من خلال مجلَّته.

وقال سماحته: "إنَّنا نريد للقيم الإنسانيَّة التي تحملها هذه المدينة أن تحفظ، في عصر يراد للفتن أن تدخل إلى كلّ مواقعنا، وللخوف والتوجّس أن يكونا عنواناً لعلاقات الطوائف والمذاهب والمواقع السياسيَّة بين بعضها البعض… نحن معنيّون بحفظ هذا الوطن الَّذي بذلت لأجله التّضحيات الجسام، حتى لا يبقى ساحة تمتصّ صراعات المنطقة وسمومها، ولا يقف مترنحاً عند منعطفاتها، ولا يهوي بين منزلقاتها، أو يتعثّر عند منعرجاتها".

 

وتابع: "لبناننا الَّذي ينظر إلى المنطقة وهي تشتعل من حوله، وإلى شراراتها التي تصل إلى غير منطقة لبنانية، بات في هذه الأيام بأمسّ الحاجة إلى لقاء موسّع ــ كلقائنا هذا ــ وإلى حوارٍ تجتمع فيه كلّ الأطياف اللبنانيّة… حوار يتدارس فيه الجميع، كيف نحمي أنفسنا وأهلنا وبلدنا من هذه الزلازل الَّتي بدأت هزاتها الارتجاجيَّة تصيب البلد، وتخلق المزيد من الهواجس لدى كلّ الطّوائف، وكلّ ألوان هذا الطّيف السّياسيّ والطائفيّ والمذهبيّ، الَّذي يتطلَّع تارةً إلى أعداد النازحين الوافدين عليه من كلّ زوايا المنطقة المضطربة، وطوراً إلى بنيانه السّياسيّ الدّاخليّ المهتزّ، فيشعر بالخطر القادم إليه من الخارج، والمهدّد له من الدّاخل، ليحاول أن يرسم لنفسه طريقاً إلى الخلاص من بين كلّ هذا الركام من الألغام السياسيّة والدينيّة، وليعمل في الوقت نفسه، على أن يتذكّر تجربة الحرب المريرة، حتى لا يكتوي بنيرانها مجدداً".

 

وأضاف: "إنَّني لا أزال على قناعة بأنَّ من يحمي لبنان هو أبناؤه.. وأبناؤه نحن، وقبل كلّ ذلك، لا بدَّ لنا من حماية إلهيّة. ولكنَّ الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فنحن الَّذين نملك أن نحمي بلدنا عندما نقرّر أن نكون أحراراً، وأن نخرج من كلّ هذا الارتهان لهذا المحور الإقليميّ والدوليّ، الَّذي جعلنا في مهبّ رياح الآخرين، وأفقدنا هويَّتنا".

 

وأوضح سماحته: "نحن لسنا ضدّ العلاقات مع الآخرين، ولكن من دون تبعيَّة، وعلينا أن نخرج من أنانياتنا الَّتي أساءت إلى إنساننا وإلى قيمنا، فلا يمكن أن تكون مؤمناً وتعيش الأنانية داخلك؛ الأنانية الطائفية والمذهبيَّة والسياسيَّة والمناطقيّة، فقد زرعت هذه الأنانيات جداراً في داخلنا، ونخشى أن تزرعها في الخارج، في ظلّ مشاريع التّقسيم الّتي يراد لها أن تطبق على المنطقة".

وشدد على أنّه لا بدّ لنا من أن نخرج من السّياسة الَّتي اعتمدناها؛ سياسة "عليَّ وعلى أعدائي"؛ أن نخرج من الخطاب الانفعاليّ الموتّر والمتوتّر إلى الخطاب الهادئ المتوازن، الَّذي يخاطب العقل لا الغرائز، يخاطب إنسانية الآخر وقيمه ومبادئه، لا المصالح الذاتيّة، وأن نكفّ عن سياسة التّعطيل السّياسيّ والتّشريعيّ، وعن الإمعان في ترك المواقع الرئيسيَّة في البلد شاغرة، كموقع رئيس الجمهوريّة على سبيل المثال".

 

وتساءل سماحته: "كيف لنا ونحن الَّذين نتغنّى بكلّ هذا التاريخ، وبأنَّنا حَمَلةُ الحضارة إلى العالم، وبأننا نعيش في بلد الأديان والقيم السَّماويَّة؛ بلد الحريَّة والديمقراطيَّة، كيف لنا أن نبقى نجترّ كلّ هذه التَّصريحات، وأن نعيش كلّ هذا التراشق الإعلاميّ والسياسيّ، ولا نستطيع انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد مرور حوالى سنة تقريباً على شغور هذا الموقع؟! لا بل إنَّ البعض يقول لك: الحبل على الجرار.. فالمجلس النيابيّ يعيش خطر التَّعطيل، وباتت الحكومة مهدَّدة بالتوقّف.. كلّ ذلك ونحن ننظر إلى النّيران تقترب من بلدنا، وإلى حريق الفتنة الكبرى في المنطقة يزحف نحونا!".

 

واعتبر سماحته أن "لا المظلَّة الدوليَّة، ولا الخطوط الحمراء الإقليميّة، ولا التعهّدات الخارجيَّة، تستطيع أن تحمي بلدنا.. نعم، إنَّ كلّ ذلك يمكن أن يكون عنصراً مساعداً، ولكنَّ الحقيقة الَّتي يعرفها اللبنانيون حقّ المعرفة، وقد خبروها على مدى سنوات الحرب، وسنون الأزمات الطّويلة، هي أنَّ عنصر الحماية الأوّل، يتمثّل في وحدتهم، وفي استشعارهم ضرورة انفتاحهم على بعضهم البعض، واندفاعهم جميعاً للدّفاع عن وطنهم ككتلة متراصّة، والابتعاد عن الصّراعات تحت ذريعة حقوق هذه الفئة وتلك، ونزع هواجس التّآمر على هذا المكوّن الطائفي أو ذاك المكوّن المذهبي من نفوسهم، فقد قتلتنا الفتن، وبداية الفتن تنطلق من الانصياع لهذه الهواجس؛ من هذه الصّناعة المعقّدة لثقافة الخوف والتخويف من الآخر، والتَّلويح بسيطرة هذا الفريق أو ذاك على البلد، وإنَّ لي ثقة بجبيل بأنها، وعلى الدَّوام، ستبقى النموذج والقدوة".

 

وختم قائلاً: "في نهاية المطاف، لا يسعني إلا أن أشكر حضوركم، وأشكر سماحة الشَّيخ القاضي يوسف عمرو على ما أتاحه لنا في هذه "الإطلالة الجبيليَّة"؛ هذه الإطلالة الَّتي تتمثَّل في اجتماعنا هذا، أو في إطلالته الإعلاميَّة التوثيقيَّة التاريخيَّة الفكريَّة، الَّتي أحسبها جزءاً من روحه، ومن ثقافة الحبّ الَّتي يختزنها تجاه هذه المنطقة الحبيبة والعزيزة على قلبه وعلى قلبنا، ومن ثقافة الانفتاح الَّتي انطلقت من هذه المدرسة؛ المدرسة الَّتي أسَّسها ورعاها سماحة المرجع الراحل السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)".

 

المكتب الإعلاميّ لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله

التّاريخ: 15 رجب 1436هـ الموافق: 4 أيار 2015م

 

Leave A Reply