مسؤوليَّةُ الاستفادةِ من نعمةِ العمرِ وعدمِ تضييعِه

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}(الحشر: 18- 19). صدق الله العظيم.

مسؤوليَّةُ العمر

دعت هذه الآيات الكريمات المؤمنين إلى أن يتَّقوا الله، وأن ينظروا بعين المسؤوليَّة إلى اليوم الذي يقفون فيه بين يديه تعالى، وفيه سيسألون عن عمرهم الَّذي منحهم الله إياه في الدنيا فيما أفنوه، وما الذي عملوا فيه وقدَّموه لهذا اليوم، فإن كانوا قد أحسنوا فيه لأنفسهم، وأدّوا فيه ما دعاهم الله إليه، فسيحظون بما وعدهم الله به من نعيم مقيم، فيما سينالون حسرةً ما بعدها حسرة وندامة على ما فرَّطوا في جنب الله. فالعمر، أيُّها الأحبّة، بدقائقه وثوانيه وأيامه ولياليه، هو مسؤوليَّة سيحاسب المرء عليها، وهذا ما أشار إليه الحديث: “لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن جسده في ما أبلاه، وعمره في ما أفناه…”.

وقد صوَّر رسول الله (ص) هذه الآيات، بأن توجَّه إلى أصحابه قائلاً لهم: “تصدَّقوا ولو بصاع من تمر، ولو ببعض صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة، ولو بتمرة، ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة، فإنَّ أحدكم لاقي الله فقائل له: ألم أفعل بك؟ ألم أجعلك سميعاً بصيراً؟ ألم أجعل لك مالاً وولداً؟ فيقول: بلى، فيقول الله تبارك وتعالى: فانظر ما قدَّمت لنفسك، فينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئاً يقي به وجهه من النَّار”.

ومن هنا، جاءت الأحاديث الشريفة لتدعو الإنسان إلى اغتنام فرصة العمر، بحيث لا يذهب هدراً، بأن يبادر إلى الاستفادة منه بما يفيد وينفع ويبقى، وأن يعي أن العمر يمضي سريعاً، وما مضى منه لن يعود، فما أسرع السَّاعات في اليوم، وأسرع اليوم في الشَّهر، وأسرع الشهر في السنة!

وإلى ذلك أشار الحديث: “إنَّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدِّر له، فبادروا قبل نفاد الأجل”، “إنَّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما”، “كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك”، أي كن بخيلاً في صرف هذا العمر، أن لا تصرفه إلَّا بما ينفعك في دنياك وينجيك في آخرتك، كما تفعل في أموالك بل أكثر، لأنَّ الأموال إن هي ذهبت يمكن أن تعوَّض، ولكنَّ الأعمار لا تعوَّض، فالسَّاعة التي تذهب لن تعود.

التَّحذيرُ من تضييعِ العمر

لذلك جاء التَّحذير الشَّديد من ضياع العمر وعدم الاستفادة منه، فقد ورد في الحديث: “احذروا ضياع الأعمار في ما لا يبقى لكم، ففائتها لا يعود”.

وفي الحديث: “يُفتَح للعبد يومَ القيامة على كُلِّ يومٍ مِن أيَّامِ عُمُرِه أربعة وعشرون خزانةً عدد سَاعَات اللَّيل والنَّهار، فخزانةٌ يجدها مملوءةً نُوراً وسروراً، وهي السَّاعةُ الَّتي أطاعَ فيها ربَّه، ثُمَّ يُفتَحُ له خزانةٌ أخرى فيَرَاهَا مظلمةً مُنتِنَةً مُفزِعَةً، وهي السَّاعةُ التي عَصَى فيها رَبَّه، ثُمَّ يُفتَح له خزانة أخرى فيراها فارغةً ليس فيها ما يُسِرُّهُ ولا ما يَسُوؤُه، وهي السَّاعة التي نام فيها أو اشتغلَ فيها بشيء مِن مباحات الدُّنيا، فينالُهُ مِن الغُبْنِ والأسف على فَوَاتِهَا ما لا يُوصَف”.

وإلى هذه الحسرة أشار الإمام عليّ (ع)، عندما تحدَّث عن حال الإنسان عندما تأتيه سكرات الموت، ويجد عمره على وشك النفاد، فقال: “ثمَّ ازداد الموت فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنَّه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه، على صحَّة من عقله، وبقاء من لبّه. يفكّر في ما أفنى عمره، وفي ما أذهب دهره”.

وقد أشار القرآن الكريم إلى ما يقوله الله سبحانه للَّذين يتوسَّلون إليه أن يخرجهم من النَّر وهم يبدون الاستعداد أن يعملوا صالحاً إن عادوا مجدَّداً إلى الدنيا: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، فيأتي الجواب {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ}(فاطر: 37)، لماذا لم تستفيدوا من عمركم الَّذي منحتم إيَّاه لاتّقاء هذه النَّار.

ومن هنا، كان دعاء الإمام زين العابدين (ع): “وَانقُلني إلى دَرَجَةِ التَّوبَةِ إلَيكَ، وأعِنّي بِالبُكاءِ عَلى نَفسي، فَقَد أفنَيتُ بِالتَّسويفِ وَالآمالِ عُمُري، وقَد نَزَلتُ مَنزِلَةَ الآيِسينَ مِن خَيري، فَمَن يَكونُ أسوَأَ حالاً مِنّي، إن أنَا نُقِلتُ عَلى مِثلِ حالي إلى قَبري، لَم اُمَهِّدهُ لِرَقدَتي، ولَم أفرُشهُ بِالعَمَلِ الصّالِحِ لِضَجعَتي”.

أمَّا الطَّريق الذي لا بدَّ من سلوكه لتحقيق هدف العمر والإعذار إلى الله سبحانه فيه، فقد أشار إليه الحديث: «إنَّ عمرك مهر سعادتك، إن أنفدتَه في طاعة ربِّك». «احفظ عمرك من التّضييع له في غير العبادة والطّاعات». فما دمْتَ ستخسر عمرك على كلِّ حال، فاحرص على أن تحوِّله إلى رصيدٍ لك عند ربِّك، وإلى عملٍ تلمسه في دنياك، ويكون زاداً لك في الآخرة.

الاستفادةُ من نعمةِ العمر

أيُّها الأحبَّة، إنَّنا نستطيع أن نصنع الكثير لأنفسنا وللحياة من حولنا، عندما نحسن الاستفادة من هذه النِّعمة الكبيرة؛ نعمة العمر الّتي وزَّعها الله على كلِّ عباده، كلٌّ له نصيب منها، فالدَّقيقة الّتي تمرّ، والَّتي قد لا نبالي بمرورها، ونستهتر بأهميَّتها، نستطيع أن نبلغ بها الكثير، ففي الدَّقيقة، نستطيع أن نصل رحماً عبر الهاتف، أن نتكلَّم بكلمةٍ طيِّبةٍ تفتح قلوب الآخرين على الخير وعلى الإيمان، أن نقدِّم نصيحةً إلى من يحتاج إليها، أن ندخل السّرور على قلوبِ من حولنا ببسمةٍ أو تعبيرٍ صادق، بسماع شكوى تُنفِّس غمّاً… وبدقيقةٍ، يمكننا أن نشارك الله وملائكته في الصَّلاة على محمّد وآل محمّد. وفي العمر الكثير من الدّقائق التي يمكننا الاستفادة منها، وعندها لن نتحسَّر عليها عندما نقف بين يدي الله.

أيُّها الأحبَّة، لقد أصبحت كلمة قتل الوقت جزءاً من قاموسنا، وصرنا نريد تقطيع الوقت كيفما كان، بحيث بتنا نملؤه لغواً ولهواً وعبثاً وبفضول الكلام، ووصولاً إلى تناول النَّاس بالقيل والقال في السَّهرات والجلسات أو عبر مواقع التَّواصل، أو بأن نتسمَّر خلف الشّاشات والفضائيّات وما تتفنَّن به، للاستحواذ على وقتنا وسلب اهتمامنا، ليصبح حديثَنا ومادَّة تواصلنا، في الوقت الّذي يمكننا أن نملأ أوقاتنا بما يمكن أن يغنينا فكراً وأدباً وعلماً نافعاً، وما يؤدِّي إلى رضا الله وبلوغ جنَّته.

إنّنا بحاجةٍ إلى متابعةٍ دائمةٍ ودقيقةٍ لحركة هذا العمر، فلا نغفل عن كيفيّة صرفه والاستفادة منه، ولا تحت أيّ حجّة، ولا نجعل من حولنا يملون علينا كيفيَّة ملء أوقاتنا، ويأخذون بنا إلى حيث يريدون، بأن يملأوا هم لنا أوقاتنا بما يريدون مما لا فائدة لنا منه، بل نحدّد نحن كيف نصرفه، فلا نصرفه إلَّا بما فيه الخير لدنيانا وما يعيننا على موقفنا بين يدي ربّنا.

التَّخطيطُ للعمرِ القادم

بهذه الرّوح، روح المسؤوليَّة تجاه العمر والزَّمن الَّذي نعيش، نريد أن نطلَّ على بداية سنةٍ جديدة، بأن لا نغادرها إلَّا ونحن على خير من سابقتها، بأن نتوب إلى الله من كلِّ تبعاتها وآثامها وتقصيرنا فيه، والاستعداد لقادمها بالتَّخطيط وحسن إدارة الوقت، لتحقيق أهداف هذا العمر، وهو رضا الله وبلوغ طاعته والعتق من النَّار والفوز بالجنَّة.

وليكن دعاؤنا ما كان يدعو به رسول الله (ص) عند بداية كلّ سنة: “اللّهمّ وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشَّيطان، والقوَّة على هذه النّفس الأمّارة بالسّوء، والاشتغال بما يقرّبني إليك، يا كريم”.

وبما كان يدعو به الإمام زين العابدين (ع) في كلِّ يوم: “أللَّهُمَّ وَوَفِّقْنا في يَوْمِنَا هَذا، وَلَيْلَتِنَا هَذِهِ، وَفِي جَمِيعِ أيَّامِنَا، لاسْتِعْمَالِ الخَيْرِ، وَهِجْرانِ الشرِّ، وَاتِّبَاعٍ السُّنَنِ، وَمجانَبَةِ البِدَعِ، والأمْرِ بِالمَعْروفِ وَالنَّهْي عَنِ المنْكَرِ، وَحِياطَةِ الإسْلامِ، وَانْتِقَاصِ البَاطِلِ وَإذْلالِهِ، وَنُصْرَةِ الحَقِّ وَإعْزَازِهِ، وَإرْشَادِ الضَّالِّ، وَمُعَاوَنَةِ الضَّعِيفِ، وَإدْرَاكِ اللَّهِيفِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نهتدي بأمير المؤمنين (ع) في كيفيَّة محاسبتنا لأنفسنا، حيث كان (ع) “إذا أصبح، ثمَّ أمسى، رجع إلى نفسه، وقال: يا نفس، إنَّ هذا يوم مضى عليك، لا يعود إليك أبداً، والله سائلكِ عنه فيما أفنيته، فما الَّذي عملتِ فيه؟ أذكرتِ الله أم حمدتِه؟ أقضيتِ حقَّ أخ مؤمن؟ أنفَّستِ عنه كربته؟ أحفظتِه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتِه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففْتِ عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أأعنتِ مسلماً؟ ما الَّذي صنعتِ فيه؟ فيذكرُ ما كان منه, فإنْ ذكر أنَّه جرى منه خيرٌ، حمد الله عزَّ وجلَّ وكبّره على توفيقه، وإنْ ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله عزَّ وجلَّ وعزم على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه”.

نحن أحوج ما نكون إلى الاستهداء بهذه السّيرة، لإجراء مراجعة يوميَّة لمسارنا، لنكون أكثر وعياً لأنفسنا، ولنتأكَّد من قيامنا بمسؤوليَّتنا، وأن يكون مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، وبذلك نكون قادرين على الإمساك بزمام أنفسنا ومواجهة التحدّيات.

العدوُّ يواصلُ ارتكابَ مجازرِهِ

والبداية من غزَّة التي أصبح من الواضح أنّ العدوّ الصهيوني يصرّ على الاستمرار في ارتكاب مجازره بحقّ المدنيين فيها وتدمير بنيتها التحتية، وهو لذلك أجهض كل المبادرات التي دعت إلى إيقاف نزيف الدم والعودة إلى التفاوض، بل نشهد رغبة من هذا العدو لتوسعة دائرة استهدافاته، إن بحق الضفة الغربية أو سوريا، أو ما جرى أخيراً بحق أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، والتمادي في عدوانه على لبنان.

وهذا يعود إلى الرغبة الجامحة لدى من يتحكَّمون بالقرار الأمني والسياسي لدى هذا الكيان بالانتقام، بعد الإذلال الَّذي تعرَّض له، وسعياً منه لاستعادة هيبته المفقودة، ولتحقيق نصر عسكري أو سياسي يقدِّمه إلى جمهوره والرأي العام، بعد الكلفة الباهظة التي يتكبَّدها، إن على الصعيد البشري أو المادي أو المعنوي، وخوفاً من الحساب الآتي إن توقَّفت الحرب ولم يحقِّق أي إنجاز يذكر.

إنَّ من المؤسف أن نجد من لا يزال يشجِّع هذا الكيان على الاستمرار في الحرب، ويمدّه بكلِّ سبل الدَّعم المادي والعسكري والسياسي والاقتصادي، ويصرّ على تغطيته في المحافل الدوليَّة، من دون الأخذ في الاعتبار كلَّ تلك المآسي والفظائع التي تحدث، وهو ما بات يشير إلى مدى السقوط الأخلاقي والإنساني لدى الدَّاعمين لهذا الكيان، أو أولئك الساكتين على جرائمه، ولن ينفع الشعب الفلسطيني المساعدات الإنسانية التي يقدّمونها له، ما دام نزيف الدَّم مستمراً.

ملاحمُ الصّمودِ في غزَّة

في هذا الوقت، ورغم كلّ هذه الجراح والآلام، تستمر مقاومة الشعب الفلسطيني، وهي تقدّم في الميدان أروع ملاحم البطولة والإقدام والفداء حتى الاستشهاد، ما لا نجد له مثيلاً رغم عدم تكافؤ القدرات، وعدم توازن الإمكانات بينهم وبين كيان العدوّ، ما جعل قيادات العدوّ العسكريَّة تعترف بثقل المعركة، وبثمنها الباهظ على جيشهم، وأن الانتصار الذي يصبون إليه لن يتحقَّق، وقد لا يتحقَّق، وهو تفادياً لإعلان فشله في عدوانه، بدأ بالحديث عن مرحلة عسكرية جديدة يسعى للقيام بها في الأسابيع القادمة، والَّتي نستطيع أن نؤكّد أنها لن تجديه نفعاً، بل تزيد من مأزقه، بعدما أخذ الشعب الفلسطيني قراره بالصّمود والثَّبات في أرضه، مهما غلت الأثمان وعلت التضحيات، وأنه لن يتنازل عن شروطه ومطالبه تحت وطأة نار العدوّ وجرائمه.

سياسةُ الصَّمتِ تخدمُ العدوّ

إننا، وأمام ما يجري، نعيد دعوة الدول العربية والإسلامية إلى الكفّ عن سياسة الصّمت والاكتفاء ببيانات وبمبادرات أثبتت الوقائع أنَّ العدوّ لا يعيرها اهتماماً، ما دامت لا تهدِّد كيانه أو مصالحه، في الوقت الَّذي نجدّد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية وكلّ أحرار العالم، إلى الاستمرار في التعبير عن غضبهم تجاه ممارسات هذا الكيان وجرائمه بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، مما تضجّ به الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل، للضَّغط على دولهم للقيام بالمسؤوليات المطلوبة منهم تجاه شعب عربي ومسلم يريد الحريَّة لأرضه وإنسانه. وهنا نجدّد القول: إن نتائجها لن تقتصر على هذا الشَّعب، بل على أمنهم القومي الَّذي – بالطبع – سيكون عرضة للتهديد من هذا العدوّ إن مرت مجازره بدون حساب وعقاب، وهو لن يتوانى أن يكرّر ذلك مع كلّ بلد عندما تقتضي مصالحه ذلك.

ولا بدّ هنا أن نقدِّر كلّ الذين يقفون في الميدان، سواء أكان ذلك في الميدان السياسي أو الإعلامي، وعبر مواقع التواصل أو الميدان الاقتصادي، أو في المسيرات، وأيّ مظهر من مظاهر الاحتجاج، رغم كلّ الضغوط التي يتعرَّضون لها ممن لا يعون مدى خطورة ما يقوم به العدوّ وآثاره أو ممن يقفون معه.

لبنان: ضرورةُ تحصينِ البلد

ونصل إلى لبنان الذي يتمادى العدوّ في اعتداءاته عليه، والتي وصلت إلى المسّ بالمدنيّين في بيوتهم وبلداتهم، وآخرها ما جرى في بنت جبيل، وكاد يجري في عيناثا وأكثر من بلدة، لندعو اللبنانيين إلى التوحّد لمواجهة اعتداءات هذا العدوّ، والتي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم، وعدم الرضوخ لمطالبه بتأمين الأمن لكيانه ولو على حساب هذا البلد وأمنه، وعدم جعل العدوّ يستفيد من أيّ انقسام أو سجال يحصل على هذا الصّعيد، وهنا نقدِّر المواقف الأخيرة الَّتي عبَّرت عن إجماع اللّبنانيّين على إدانة هذا العدوان.

وفي الوقت نفسه، نجدِّد دعوتنا المسؤولين إلى العمل بكلِّ جديَّة لتحصين هذا البلد لمواجهة التحدّيات القادمة الّتي يخشى أن تكون أكثر سوداويَّة، إن على الصَّعيد الأمني والسياسي أو الاقتصادي والاجتماعي، والكفّ عن سياسة التسويف في إنجاز الاستحقاقات، إن على المستوى الرئاسي، أو على مستوى اتخاذ الإجراءات التي تضمن القدرة على النهوض الاقتصادي ومعالجة أزمات البلد الملحَّة، حيث لا يمكن مواجهة ما يرسم للمنطقة ولهذا البلد بهذا الترهّل.

لذا نقول للسياسيين: ارأفوا بهذا البلد وبإنسانه، وبادروا إلى القيام بواجباتكم بحفظه، قبل أن يضيع وسط العواصف العاتية القادمة إليه، وأنتم قادرون إن أردتم، ونخشى أنَّكم لا تريدون ذلك أو لا تسعون إليه.

وأخيراً، إنَّنا ونحن نستقبل عاماً ميلادياً جديداً، ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يحمل إلينا العام الجديد تباشير خير للبنان وللبنانيّين، وأن ينعموا فيه بالأمن والأمان والسَّلام المفقود، وأن يتوقَّف نزيف الدَّم فيه وفي فلسطين، والعمل على أن يكون هذا العالم أكثر عدلاً وحريّة.

وهنا ننبِّه كلَّ من يريد الاحتفال بهذه المناسبة، أن يأخذوا بالاعتبار ما يجري للشَّعب الفلسطيني من مآس وآلام، وما يجري على حدود هذا البلد، تعبيراً عن مواساتهم والوقوف معهم، ولو بالمشاعر وعلى مستوى الوجدان.

***